1. تاريخياً إقليم السودان مكون من سودان النهر الشمالي، وسودان النهر الاستوائي، وسودان الظهر. سودان النهر الاستوائي حكمته في التاريخ الأوسط ممالك قبلية أهمها الزاندي والشولو. سودان النهر الشمالي حكمته ممالك أهمها سنار، وسودان الظهر حكمته ممالك أهمها الفور.
السودانات الثلاثة وحّدها الغزو العثماني بانتدابه الخديوي فصار سودان المليون ميل مربع.
المهدية كانت الكيان الوطني الذي أطاح بالغزاة وكونت دولة مركزية واحدة.
الغزو الثنائي اسماً البريطاني فعلاً أطاح بدولة المهدية واعتمد في سنده الشعبي على العناصر المعارضة للمهدية. هذه العناصر في مرحلة لاحقة مالت إلى علاقة اتحادية بمصر. العناصر ذات المرجعية المهدوية وقوى وطنية أخرى اتجهت نحو شعار “السودان للسودانيين”.
حزب الأمة الذي نادي بهذا الشعار كون تحالفاَ بين الأنصار وقوى استقلالية أخرى تحت راية الجبهة الاستقلالية التي بسبب عوامل أخرى جرّت الجبهة الاتحادية نفسها إلى راية الاستقلال.
إذن التحالف السياسي الأول الذي قاده حزب الأمة في ظل السودان الحديث نجح في مهمته نجاحاً باهراً.
2. في ظل السودان الديمقراطي المستقل انقسم الحزب الاتحادي على نفسه ما أدى لقيام ائتلاف غير منطقي بين الأمة وحزب الشعب الديمقراطي. حاولت قيادة حزب الأمة تصحيح هذا بالائتلاف مع الحزب الوطني الاتحادي فأدى ذلك للتآمر الأول على الديمقراطية واستلام قيادة 17 نوفمبر حكم البلاد.
3. قاد حزب الأمة المعارضة الديمقراطية للدكتاتورية الأولى وكون الجبهة الوطنية المتحدة التي نزعت من النظام الشرعية التي منحه لها تأييد السيدين، وعبر نضال شاركت فيه قوى اجتماعية ونقابية جديدة ما أدى لتكامل موضوعي بين الجبهة الوطنية المتحدة وجبهة الهيئات فكونوا الجبهة القومية الموحدة، فخاضوا ثورة أكتوبر 1964م واستردوا الديمقراطية عبر ربيع سوداني.
4. الديمقراطية المستردة لم تستمر كثيراً، ومن عيوبها تكون التآمر الذي أدى لانقلاب 25 مايو 1969م الذي دعمته عناصر شيوعية وناصرية وقوى متطلعة للتحديث. غنوا له: “يا حارسنا ويا فارسنا”، و”أنت يا مايو الخلاص”.
قاد حزب الأمة في وجه هذه الفرية تكوين الجبهة الوطنية التي قادت نضالاً مرّ بمراحل انتهت إلى ثورة الربيع السوداني الثاني في رجب/ أبريل 1985م.
5. النظام المايوي اتبع سياسات راديكالية عمقت الانقسام السياسي، وعمقت الحرب الأهلية، وبنهجه المحوري في السياسة الخارجية أتاح لحركة المقاومة الجنوبية دعماً غير محدود من حلف عدن، ومع أن النظام سلم مصيره للإرادة الأمريكية بفعل ما لم سبقه عليه أحد: تحالف مع ناتو في ظل دفاع مشترك مع مصر السادات، وترحيل الفلاشا خدمة لإسرائيل، فإن حزب الأمة استطاع أن يقود ثورة الربيع السوداني الثاني بمشاركة التجمع النقابي واسترد الديمقراطية.
6. الديمقراطية الثالثة كما وثقت في كتاب “الديمقراطية راجحة وعائدة” نجحت في تحقيق الأهداف الوطنية العليا، بما في ذلك مشروع سلام عادل شامل يبرمه مؤتمر قومي دستوري في 18/9/1989م، ولكن وجود تكوينات سياسية لا تؤمن بالديمقراطية إلا لما تتيح لها من حرية التآمر ضدها، مكن الجبهة الإسلامية القومية من الانقلاب وإقامة نظام سموه “الإنقاذ”، أجهز على المشروع الوطني، وحول الشعار الإسلامي المنشود قومياً إلى مبرر للاستبداد الحزبي.
وعلى سنته التحالفية لمواجهة التحديات الوطنية قاد حزب الأمة عدة تحالفات. التحالف الأول هو التجمع الوطني الديمقراطي الذي تكون من داخل سجن كوبر ثم ضممنا إليه الحركة الشعبية فأثمر ذلك ميثاق القضايا المصيرية في عام 1995م. أفلح التجمع في محاصرة وعزل النظام الدكتاتوري، ولكن الحركة الشعبية تجاوبت مع رؤية دولية قاصرة، ومع رغبات النظام، فأدى ذلك لصورة ثنائية للحوار هي السبب الحقيقي في مغادرة حزب الأمة للتجمع، وأدى النهج الثنائي لاتفاقية السلام المسماة شاملة مغالطة للواقع، لأنها علقت مصير ثلاثة مناطق: أبيي، وجنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق. وأبرمت في وقت، أي 2005م، كانت فيه دارفور تشهد حرباً أهلية منذ عام 2003م. كانت اتفاقية كذوبة. ومنذ مايو 2005م أعلن حزب الأمة بأنها لن تحقق سلاماً شاملاً، ولا وحدة جاذبة، ولا تحولاً ديمقراطياً. وقد كان.
7. بعد مؤتمر جوبا في 2009م قاد حزب الأمة تكوين قوى الإجماع الوطني بهدف مواجهة النظام الدكتاتوري وإقامة دولة الوطن بدل دولة الحزب التي أقامها النظام.
قوى الإجماع الوطني عوقتها محاولات تغول واختلاف تنظيمي ما بين الإبقاء على هيكل هلامي واتخاذ هيكل منضبط، واختلاف سياسي بين مقولة الشعب يريد إسقاط النظام، والشعب يريد نظام جديد، لأن الخط الأول يرفض الحوار مع النظام من حيث المبدأ والخط الثاني الأقرب للواقع الوطني والواقع الدولي يسمح بالانتفاضة الشعبية ويسمح بالحوار باستحقاقاته.
8. بعد خروج حزب الأمة من قوى الإجماع، وفي ظل تكوين ميثاق الفجر الجديد بقيادة الجبهة الثورية اعتمد ميثاق الفجر الجديد أمرين رفضهما حزب الأمة تماماً هما: إعطاء شرعية للعمل على إسقاط النظام بالقوة وتقرير المصير للمناطق المهمشة. ومع هذا التحفظ واصلنا حوارنا مع الجبهة الثورية وأوضحنا لهم أن إسقاط النظام بالقوة مشروع يعزلكم دولياً وإن نجح فإنه يقيم دكتاتورية. وتقرير المصير يشبه المناطق المهمشة في الشمال بالجنوب وهو تشبيه غير صحيح. نعم لضرورة إقامة نظام جديد يحقق السلام والعدل. فكانت النتيجة ميلاد تحالف جديد مرجعيته “إعلان باريس” في أغسطس 2014م، ثم “نداء السودان”، التحالف الأوسع الذي ضم جماعة “إعلان باريس” وقوى الإجماع في كيان جبهوي واحد، في ديسمبر 2014م.
9. حقق “نداء السودان” نجاحات كثيرة، ولكنه واجه مشاكل أهمها:
· نأي بعض قوى الإجماع بنفسها عن مبدأ الحوار من حيث هو، فانقسمت قوى الإجماع ما بين رافض الحوار من حيث المبدأ، ومؤيدي الحوار باستحقاقات كما عبرت عن ذلك خريطة الطريق.
· خلاف تنظيمي داخل الجبهة الثورية حول قيادتها ما بين الحركة الشعبية شمال وحركتي دارفور.
· خلاف داخل الحركة الشعبية- شمال اتخذ شكلاً تنظيمياً وشكلاً سياسياً بموجب مقولة تقرير المصير، بل استنساخ مواد اتفاقية نيفاشا.
· الطريق المسدود الذي انحدر إليه الموقف السياسي في السودان، وتطورات معينة في دول الجوار، فتحت الباب لتدخلات عبر الحدود من الجوار الليبي ومن الجوار الجنوبي. هذه التدخلات سوف تزيد لأنها تمثل مساجلات بين النظام السوداني والجيران. هذه التدخلات مع المزايدات التي أفرزتها الاختلافات داخل التنظيمات تجعل المشهد السياسي أكثر تعقيداً وأكثر دموية بأشكال جديدة من المواجهات.
النظام غمره السرور بهذه الشروخ لاعتقاده أنها تصب في مصلحته.
تشظي الحركات إذا ازداد، والتدخلات عبر الحدود إذا تواصلت، تحرم الوطن من شركاء منضبطين لحوار وطني جاد، وتفتح باب التصعيد المسلح لأنه إذا وجد تظلم ووجد مدربون وسلاح فلا سلام، والحركات المسلحة المسيسة لا تنتهي إلا بموجب اتفاقية سلام.
10.في هذا المناخ المعقد ينبغي أن يعلن حزب الأمة موقفه الاستراتيجي من مطلب السلام، والحوكمة، والدستور كما فصلنا في ورقة الإستراتيجية المعلنة.
إنه سوف يحافظ على حسن الصلة بكل أطراف “نداء السودان” ويناشدها تأييد هذه الإستراتيجية، ويناشدها تأييد أن وسائل تحقيق المطالب الوطنية هي الحوار باستحقاقاته كما في الإستراتيجية أو الانتفاضة الشعبية الربيع السوداني الثالث.
وينبغي أن يؤكد حزب الأمة أن أية عروض مهما كانت مغرية بالانضمام للنظام مستحيلة، فنحن الذين لا يمكن أن نمنح شرعية للانقلاب على الديمقراطية، ولحمامات الدم التي سفكت، ولتحدي القانون الدولي، وهي مواقف يمنعنا الضمير الوطني، والالتزام الأخلاقي، والمسؤولية التاريخية من السقوط فيها مهما كان الثمن. نحاور النظام لبناء شرعية جديدة: نعم. نهادن النظام بالانضمام لشرعيته: لا.
11.إن لحزب الأمة تقديراً واضحاً لدى كل من تعامل معنا من فصائل “نداء السودان”. ومهما كانت بينهم من اختلافات فإننا لمصلحة الوطن ينبغي أن نحافظ على هذا التقدير وأن نوظفه للمصلحة الوطنية. وأن نعمل على صون مظلة النداء برغم الاختلافات التنظيمية الداخلية، إعلاء لوحدة الهدف ووحدة الصف القومي على وحدة الصف الداخلي لمكونات النداء.
12.أحزاب “نداء السودان” بالداخل ومنظمات المجتمع المدني حلفاء استجابوا للإستراتيجية المذكورة، وينبغي أن ندعم تعاوننا معهم، وأن ننفذ بموجب هذا التعاون برنامجاً قوياً يدعم نجاح الإستراتيجية في الإطار الوطني وفي الإطار الدولي.
هنالك مبادرات شبابية علينا أن ندعم التواصل معها من أجل إقامة نظام جديد.
وعلينا ألا نقاطع قوى الإجماع المختلفة معنا فهناك مجال للتعاون في دعم التحركات المطلبية المشروعة، وأن نمسك عن التراشق بيننا لأنه يصب في مصلحة النظام.
13.النظام سعيد باحتمال رفع العقوبات الأمريكية وهو رفع ذو نتيجة محدودة، أجلوا القرار بشأنه إلى شهر أكتوبر القادم. ولكن إلى متى يقبلون الإهانات: العقوبة الجماعية للمواطنين السودانيين الذاهبين لأمريكا، وتصنيف السودان متجراً بالبشر. ومذكرة 53 من أعضاء الكونغرس من الحزبين يصفون قياداتهم السودانية بأنهم مجرمون وفاسدون، وعلى أية حال بلادهم مصنفة راعية للإرهاب: من يهن يسهل الهوان عليه
النظام حقق أمرين متناقضين هما: إتباع سياسات فاشلة ومدمرة لبقائه، واختراق كل القنوات التي أحدثت الربيع السوداني الأول والثاني، ما يعني أن النظام إذا لم يسارع في الإستجابة للاستحقاقات المشروعة إنما يتيح الفرصة لنهاية عبر انفجار بداخله، أو ربيع ثالث بأسلوب جديد.
ليعلم قادة النظام أن المخرج الحقيقي هو في التعامل الإيجابي مع 63 قرار مجلس أمن دولي تصنف النظام خطراً على السلم والأمن الدوليين، وهو في التعامل مع القرار الدولي (1593) وتداعياته، وهو في إيجاد مخرج من معاهدة الإبادة الجماعية التي صارت جزءاً من القانون الدولي منذ 1951م والتي يمكن لأية محكمة مستقلة أن تتعامل بموجبها، وهو في إيجاد مبرر لإلغاء الدين الخارجي.
هذه العوامل كلها لا تتحقق إلا عن طريق اتفاق سلام عادل شامل، وتحول ديمقراطي حقيقي. هذا ما نقول وما أكده مسؤول كبير في الأمم المتحدة لنا في نيويورك في 16/11/2011م هو نائب ومساعد الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام هيرفي لادسوس.
أمامكم دفع استحقاقات السلام والتحول الديمقراطي، علماً بأن أصحاب الرأي الآخر في البلاد عقلاء ووطنيون، وينادون بمصير قومي لا يعزل أحداً ولا يهيمن عليه أحد.
ولكنكم بالإعراض عن هذا الخيار الخير، اعلموا:
كل حكومة بالسيف تقضي إن وراءها يوماً عسيراً
14.في ظل سودان الغد فإن حزبنا بصدد تأسيس جديد طرحنا معالمه، وسوف يقرر بشأنه المؤتمر العام الثامن، هذا التأسيس الجديد سوف يستوعب كل المستجدات الفكرية والسياسية، ويوسع مواعينه للقوى الاجتماعية الجديدة. وتصورنا أن تقوم في ظل سودان الغد ثلاثة تحالفات: تحالف معني بالتأصيل أكثر من التحديث يضم قوى محافظة، وتحالف معني بالتحديث يضم قوي تقدمية، وتحالف يقوده حزب الأمة القومي معني بالتأصيل والتحديث معاً؛ وفي ظل نظام كافل لحقوق الإنسان تتنافس هذه التحالفات للفوز بثقة الشعب لإزالة آثار الطغيان وبناء الوطن.