بسم الله الرحمن الرحيم
تأبين الحبيب الراحل أمين مكي
المنظمة العربية لحقوق الإنسان
القاهرة في 25 أكتوبر 2018م
كلمة الإمام الصادق المهدي
أشكر المنظمة العربية لحقوق الإنسان دعوتي للمشاركة في هذا التأبين المهم.
منعتني جهات أمنية من دخول مصر. عزائي في الأمر أنني منذئذٍ وجدت ترحيباً في أكثر البلاد العربية والأوربية، بل تضامنت معي كل الأقلام المصرية الملمة بالشأن السوداني والمهتمة بالعلاقات السودانية المصرية، وحيثما التقاني مواطن مصري أو سياسي أو دبلوماسي مصري صافحني معتذراً. هذه العزاءات نفت عني مرارة الصد، وكل عمل مقوم بثماره، وستظل مصر وطني بعد السودان رغم العثرات.
ومع غيابي عن مشهد التأبين حرصت على الوفاء لصاحب الذكرى.
أخواني وأخواتي
أبنائي وبناتي
يُزين صدر فقيدنا نجوم: مناضل لحقوق الإنسان، مساهم في أنشطة بناء السلام الدولية، زعيم منظمات المجتمع المدني، رجل دولة، ورجل دولي، وأستاذ حقوقي.. سيرة عطرة يرجى أن تسجل تفصيلاً قدوة للأجيال.
ههنا أسجل له مواقف بإشرافي المباشر وليس راءٍ كمن سمع:
أولاً: كان قيادياً في الهيئات التي نظمت موكب الأربعاء 3/4/1985م الذي دق مسماراً في نعش النظام الدكتاتوري المباد. وحرص على الموكب والإطار السياسي واتصل بي فكتبت ميثاق الانتفاضة الذي تبناه الجميع، وصار تجسيداً للإرادة الوطنية.
ثانياً: عندما أصدرنا إعلان باريس في أغسطس 2014م، وهو اختراق وطني حقيقي، فشوه معناه جماعة النظام وبخسه المزايدون بغير زاد، ولكنه أدرك قيمته الوطنية فأيده بحماسة.
ثالثاً: وباسم مبادرة المجتمع المدني ساهم مساهمة كبيرة في تكوين نداء السودان سفينة نوح لأجندة السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل في السودان.
رابعاً: ولموقفه الداعم للنداء تعرض لحبس جائر واتهام كيدي، فظل في الحبس صامداً مع ما كان يعاني منه من أمراض، ولكن النظام الحجري القلب لم يرحم سنه ولا مرضه. ولاحقاً منعه من السفر ليجري عملية زرع كلى مستعجلة كأنما لاغتياله بحرمان العلاج، فواجه كل ذلك بلا أدنى جزع، بل بيقين أن كل ما يصيبه يفضح الجلاد ويفتح الطريق للانعتاق، واكتسب وزناً ثقيلاً في ميزان حسناته الوطنية.
خامساً: وفي المجال الدولي كان له دور مهم في بناء السلام وحقوق الإنسان في لبنان، وأفغانستان، والعراق، وكرواتيا، وتنزانيا.
سادساً: وشارك بنصيب كبير في دعم القضية الفلسطينية في الضفة وفي غزة.
سابعاً: انضم لحزب الأمة ولكن اعتبارات تنظيمية لم تعجبه فاستقال. لاحقاً تلاقينا وشرح لي أسبابه، قلت له يا أخي أنت وطني، وديمقراطي، وحقوقي في أي موقع تشاء، وأنا بأية صفة تراها أرحب بالتعاون بيننا، وقد كان.
وكم كنت أتمنى أن يمتد به العمر ليرى وينعم بسودان السلام العادل والشامل والتحول الديمقراطي الكامل. ولكن أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد. ليقبله الله في رحابه حيث “لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ” وليحسن الله عزاء زوجه وأولاده وبناته وسائر أفراد أسرته الخاصة وأسرته العامة وهي الوطن أجمع بل إقليمينا العربي والأفريقي، وعشيرة حقوق الإنسان في العالم.
لنكتب على شاهد قبره:
النَّاسُ بالنَّاسِ ما دامَ الحـياءُ بــهمْ والسـعدُ لا شــكَّ تاراتٌ وهـبَّاتُ
وأفضَلُ الناسِ ما بين الوَرَى رَجُلٌ تُقْضَى على يَدهِ للنَّاسِ حَـاجَــاتُ
قد ماتَ قـومٌ ومَا مَاتَتْ فضائلهم وعَاشَ قومٌ وهُم فِي النَّاسِ أمْواتُ
هذا وبالله التوفيق.