بسم الله الرحمن الرحيم
حديث الإمام الصادق المهدي
بمناسبة ذكرى وفاة إمام الصلاح والعدل والحرية
وذكرى أم ثورات الحرية
25/10/2019م
السلام عليكم ورحمة الله،
أرجو أن ترددوا معي:
أكتوبر أم الثورات
ديسمبر عطاء الأجيال
الانتقالي إرادة شعب
السلام في حدقات العيون
لا استقرار بلا معيشة وعدالة
الصديق ترياق الطغيان
قبرنا الطغاة الثلاثة
أخوك أخوك في الشدة
بسم الله الرحمن الرحيم
أخواني وأخواتي أبنائي وبناتي مع حفظ الألقاب،
السلام عليكم ورحمة الله
أبدأ بثورة أكتوبر فأقول:
1. وقعت في السودان ثلاثة انقلابات ناجحة، وقد وثقتُ أنها كانت في الترتيب الأولى أعقلها، لأنها كانت مجردة من الأدلجة، ولأنها حظيت ببعض الشرعية لتأييد السيدين لها.
2. ولكن دُق في نعشها مسماران، موقف الإمام الصديق الذي رفضها هو ومؤسسة حزب الأمة. منذ البداية كان موقفه وأنا شاهد على ذلك أن يلغي الانقلاب فوراً. هذا الموقف أيدته كل القوى السياسية المنظمة من اليمين إلى اليسار، على رأسهم الرئيس إسماعيل الأزهري. وتكونت بموجب هذا التحالف الجبهة الوطنية المتحدة برئاسة الإمام الصديق. هذا الموقف نزع أية شرعية للنظام الانقلابي الأول. اتحدت إرادة الشعب وراء هذا التحالف وانتخبتُ مقرراً لهذه الجبهة.
إن لوفاة الإمام الصديق صلة مباشرة بأحداث المولد التي فيها هجمت الشرطة على خيمة الأنصار بالمولد وقتلوا 12 من الأنصار العزل، كان هذا الضيم في 21/8/61م، كانت الفاجعة مؤلمة خلدها شاعرنا:
اثنا عشر من خير ما لحظته عين المعجب
اثنا عشر عقد تألق يــــوم ميلاد النبي
**
أخذوا علـــــــى غدر فألقوا فيه كالطود المنيع
ماتوا ليجني الشعب في أعقابهم زهر الربيع
وكان الصديق الشهيد الثالث عشر، لأنه بعد هذا الضيم لم يذق طعم المنام فأخذته الذبحة بعدها بأربعين يوماً.
3. صدى موقف الإمام الصديق عزز التراكم الذي قاد للثورة، ومع أن وفاته أصابت الأمة كلها بالإحباط، فإنها أيضاً شحنت العزيمة ضد النظام، كانوا جميعاً يرجون التحرير على يديه كما قال المرحوم مختار:
أعجلتك الأيام والموطن الأسوان في لجة الهموم غريق
كان أغلى مناه في الدهر يفري دجاه على يديك الشروق
4. ثورة أكتوبر هي أم ثورات القوة الناعمة، ووضعت قاعدة اتبعتها كل ثورات الربيع العربي وهي: كلما استبد بولاية الأمر حكام فعاثوا في الأرض فساداً تجمعت القوى السياسية والشعبية وأطاحت بالطغاة.
5. شهد السودان في تاريخه الحديث ثلاث ثورات ناعمة، وأربع حركات مقاومة مسلحة. المقاومة المسلحة استنزفت النظام حتى صار ما يصرف في يوم واحد يساوى دخل شهر، هذا بالإضافة لما أهدره الفساد أدى للتدهور الاقتصادي الذي أشعل الاحتجاجات.
6. القوى السياسية السودانية بالمقارنة للدول الأفريقية تظهر قبلية أقل، وبالنسة للدول العربية تظهر طائفية أقل، ففي البلاد العربية الطائفية أعمق التزاماً مما هي في السودان فكلهم أهل سنة وتصوف معتدل.
هذه العوامل تؤهل القوى السياسية السودانية لاتباع نهج فيه درجة عالية من التسامح، ما يبشر بأن قوى الوسط السوداني في ظل الحرية مؤهلة لتكوين جبهة وسط عريضة، تحظى بالتأييد الشعبي الكبير عندما يقول الشعب كلمته عبر الانتخابات الحرة المقبلة. هذا الزحف نحو الاعتدال السياسي المطلوب لنجاح الديمقراطية، تزعجه أربعة عوامل:
العامل الأول: سدنة النظام المباد الذي شبك نفوذه في عوامل التمكين مما يمكنه أن يطل برأسه من جديد.
العامل الثاني: معوقات السلام بسبب بعض العوامل أهمها اختلافات واسعة بين القوى المسلحة، وتحالفات بين بعضها وجهات أجنبية.
العامل الثالث: ورود اختلافات معوقة للأداء في جبهة القوى التي أحدثت التغيير. العامل الرابع: تجاذبات واردة بسبب نزاعات محورية وافدة.
7. بعزيمة مستمدة من دورنا التاريخي في تحقيق الاستقلال، وفي الثورات الديمقراطية الثلاث، ومستمدة من ثقل شعبي صمد في وجه محاولات الاختراق والبطش، سوف نجتهد في دعم النظام الانتقالي، الذي ساهمنا في تكوينه بالحكمة، والالتزام، والتوازن المطلوب.
ندعمه وقد أعددنا أنفسنا لكي نواجه التحديات الأربعة الآتية:
• التصدي لمؤامرات السدنة بالقوانين والسياسات لا بالانتقامات، ونقول لهم اغتسلوا بمراجعات كما فعل أضرابكم لتلحقوا بالمسيرة الوطنية.
• لمواجهة أية محاولات لتحويل عملية السلام لبورصة مناورات، سوف نقدم مشروع سلام عادل شامل، لا يمكن أن يرفضه إلا إرهابي، وندرك أن السلام يتطلب الجد في إزالة التهميش المناطقي، والتهميش الطبقي ببرامج العدالة الاجتماعية.
نقول سيحتوي هذا البرنامج إن شاء الله على نقاط هي الأساس التي نرجو أن يحظى بالفبول التام لكي يتحقق هذا السلام، مشروعنا يقوم على:
1) بيان الإجراءات المطلوبة لتجاوز المرحلة وبناء الثقة.
2) الالتزام بلا مركزية فيدرالية حقيقية في الحكم.
3) المشاركة في السلطة المركزية بحجم السكان.
4) المشاركة العادلة في الثروة.
5) تمييز ايجابي في توزيع الثروة والخدمات الاجتماعية (الصحة والتعليم) للمناطق المتأثرة بالحرب.
6) الاعتراف بالتنوع الديني والثقافي وحقوق أهله.
7) أن يكون لأهل الإقليم نسبة محددة من الثروات الطبيعية المستخرجة من الأقاليم.
8) عودة النازحين واللاجئين لقراهم الأصلية المحسنة.
9) إصدار قانون جديد للأراضي يعيد الحواكير لأهلها وينظم مصالح الزراع والرعاة بصورة عادلة.
10) قانون للعدالة الانتقالية يمنع الافلات من العقوبة وينصف الضحايا.
11) الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية.
12) مراجعة مؤسسات الدولة المدنية والنظامية لكفالة المشاركة فيها على أساس قومي.
13) تطبيق قانوني عادل للدمج والتسريح.
14) مراجعة سياسة التخديم والتمويل لصالح مواطني المناطق المتاثرة بالحروب.
15) إجراء مصالحات قبلية واسعة لرتق النسيج الاجتماعي.
16) الاستجابة لمطالب المتأثرين بالسدود.
17) مراجعة اتفاقية سلام اسمرا.
18) مراجعة الرموز الوطنية في العلم والنشيد الوطني لمواكبة المرحلة.
19) التزام سياسة خارجية متوازنة عربياً وأفريقياً.
20) انتماء أغلبية السكان للإسلام، وتطلعات دعاته لا يحرم الآخرين من المساواة في المواطنة.
21) اعتبار اللغة العربية لغة وطنية يصحبه الاعتراف بالثقافات واللغات الأخرى وحقوقها.
22) السعي لتحقيق دعم إقليمي ودولي لاتفاقية السلام العادل الشامل في السودان.
23) أن يشترك الجميع في المؤتمر القومي الدستوري، وأن تعتبر اتفاقية السلام جزءً لا يتجزأ منه.
نقول إن هذا العرض إذا قبلته القوى السياسية السودانية، وهذا وارد، من يقف ضده إنما يقف في الواقع موقف تخريب ويستحق أن يصنف بأنه إرهابي.
• العمل من أجل علاقات خارجية إقليمية ودولية، تدعم السلام في المنطقة الأفريقية والعربية، وتحرص على توازن خالٍ من المحورية، ونناشد الأشقاء للمساهمة في مشروع “مارشال” للتنمية في السودان، ونناشد الأسرة الدولية إزالة كافة العقوبات التي فرضت على النظام المباد، طالما صار أهل السودان في هذا التوجه السلامي والديمقراطي، والإقدام على عقد مؤتمر “دافوس” للسودان، دعماً للتنمية، والسلام، فاستقرار السودان مهم للأمن والسلام الدولي.
• ندرك وجود صعوبات لتوحيد القوى التي حققت الثورة داخل وخارج الحرية والتغيير، وندرك وجود قوى مؤدلجة في اليمين واليسار، تتخذ شكلاً علمياً لتبخيس التجارب الديمقراطية. في كتابي الصادر في عام 1990م، بينت أن النظم الديمقراطية بالمقارنة للنظم الدكتاتورية راجحة، بينت هذا بالأرقام والوثائق، ولكن هؤلاء المؤدلجين في شكل حملة على الأحزاب يظهرون ما أدت إليه أبحاث مركز ابن خلدون في القاهرة، وهو مركز بحثي قام بدراسة حالة الموقف الفكري في المنطقة العربية، وبيّن هذا البحث أن القوى المؤدلجة في الصفوة تريد أن تطبق ديمقراطية نظام بوصاية على الناس، باعتبار أن الناس لا يعرفون مصالحهم، ولذلك يتخذون موقفاً ضد الديمقراطيية باعتبار أنها تأتي بقوى سياسية بعيدة منهم. فهؤلاء المؤدلجين غير حريصين على الديمقراطية، لأنهم يريدون فرض وصاية على الشعوب، وصاية الطريق الوحيد إليها الانقلابات العسكرية، انقلابات طرقوها من اليمين واليسار، وأفسدوا بها الحياة السياسية، وعادت وبالاً عليهم، ولكنهم حتى اليوم يبخسون التجارب الديمقراطية، ما يجعل اجتهاداتهم تصب في صالح الانقلابات، وما دمت تقول إن الديمقراطية فاشلة والأحزاب فاشلة فالبديل هو ما يدعو إليه الطغاة، ولكن انقلاباتهم ترتد عليهم:
وَمَن يَجعَلِ الضِرغامَ بازاً لِصَيدِهِ تَصَيَّدَهُ الضِرغامُ فيما تَصَيَّدا
لكنهم يواصلون هذا الخبل حتى يومنا هذا، سنجد أنفسنا باستمرار أمام محاولات هؤلاء المؤدلجين: اليسار المتيبس واليمين المتحجر. (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) .
نعم للديمقراطية لا سيما في ظروفنا مشاكل، ولكن كما قال السياسي المفكر البريطاني الشهير تشرشل: النظام الديمقراطي هو الأسوأ باستثناء النظم الأخرى، فهو إذن الأفضل. أي إذا أردنا الحديث عن مساويء الديمقراطية، نعم، ولكن النظم الأخرى دائما أسوأ.
نحن إن شاء الله سندعم النظام الانتقالي هذا بوظيفة خفر ميت، ومعناه كأنما safety net، أي دعم النظام ومساندة النظام والتصدي للمتآمرين من يمين متيبس ويسار متحجر. شبكة الأمان هذه تعني تقديم البديل الديمقراطي للفوضى، وللتطلعات الانقلابية.
القسم الثاني من حديثي عن ذكرى وفاة الإمام الصديق رضى الله عنه، أقول:
أولاً: تاريخية الاسم. لماذا سمي الصديق؟ فقد كان هناك خلاف في أسرة المهدي، أثناء المهدية، ونتيجة لذلك عندما خرج الخليفة عبد الله خليفة المهدي في اتجاه، خرج الخليفة شريف في اتجاه آخر، والصديق كان من أبناء المهدي الوحيد الذي ذهب مع خليفة المهدي غرباً ثم عادوا، وأدركوا ألا فائدة في المقاومة المسلحة ولذلك “فرشوا” أي أنهم يستقبلون الموت بطلاقة وجه، ولذلك قتلوا معاً في واقعة أم دبيكرات. أقول هذه القصة لأن السيدة أم سلمة وهي أخت الإمام عبد الرحمن عندما ولد له هذا الولد اقترحت أن يسمى الصديق فقبل أبوه هذه التسمية. التسمية لها أصداء تاريخية مهمة فيما يتعلق بهذه الحادثة.
ثانياً: التعليم: الحقيقة أن موقف الإمام عبد الرحمن يمثل ثورية التقليديين. في السودان أشخاص من الكيان التقليدي ولكنهم ثوريون. الإمام عبد الرحمن منهم، وشيخ بابكر بدري منهم، والإمام عبد الرحمن عطاؤه الأساسي أنه أعاد هيكلة المهدية لكي تقبل التعدد والتعايش مع الآخرين وتقبل أيضاً التعايش مع العصر الحديث. فقدم نموذخاً مختلفاً عن نموذج الدعوة الأولى، النموذج الذي قدمه ثوري باعتبار ما فيه من التحرك من منطلق إسلامي تقليدي إلى التعايش مع العصر الحديث، ولذلك بينما كثير من الأنصار وغيرهم كانوا يقاطعون مؤسسات النظام الاحتلالي، فإن الإمام عبد الرحمن أرسل ابنه الصديق للتعليم في كلية غردون وهناك تعلم تعليماً حديثاً كمهندس. هذه كلها في التاريخ خطوات ثورية للغاية: ثورية التعامل مع العصر الحديث من منطلق المهدية، وثورية قبول مؤسسات التعليم المدني.
ثالثاً: دوره في إضراب الكلية. وهو في الكلية كان هو والطلبة قد وقفوا موقفاً مشتركاً ضد إجراءات قامت بها الحكومة وأحدثوا إضراب الكلية الشهير، وهو كان أحد أعضاء اللجنة التنفيذية لطلبة كلية غردون، وطبعا الامام عبد الرحمن كان ضد هذا الاضراب وذهب إليهم لكي ينصحهم في موقفهم هذا، ولكنهم رفضوا هذه النصيحة. وأحد أبناء الأنصار في ذلك الوقت وهو المرحوم السيد يوسف بدري قال للإمام عبد الرحمن: يؤسفي يا سيد أقول لك كلامك هذا دخل بهنا وخرج بهنا (أي دخل بالأذن اليمنى وخرج باليسرى). واستمر الإضراب إلى أن أجريت تسوية.
رابعاً: علاقة الأب والابن، بين الإمام عبد الرحمن والإمام الصديق علاقة لم أجد لها مثيلاً لا في الواقع ولا في التراث، علاقة روح واحدة في جسدين. علاقة تطابقية بينهما. لدى فرويد فيلسوف علم النفس كلام أن هناك دائماً تناقض وارد بين الأب والابن، ونحن نشهد ذلك الآن. بعض المتشددين إسلامياً أولادهم إما يكونوا غير متشددين أو يكونوا يساريين، والعكس، يساريون يكون أبناؤهم متشددين دينياً، وأعرف يسارياً متطرفاً في يساريته أبناؤه الثلاثة داعش. فهناك هذه الاحتمالات التناقضية، ولكن علاقة الإمام عبد الرحمن بابنه كانت أشبه بأن الإمام شلال يتدفق بما عنده من حيوية وقوة والصديق خزان ينظم هذا التدفق. هذه العلاقة بين الابن والأب يضرب بها المثل كشيء نادر في العلاقة بين الأب والابن.
واشار لها أحد الشعراء بقوله:
ما فقدنا أباك والله إلا حين واراك في التراب مضيق
خامساً: في عام 1947م، قاد وفد المطالبة بتقرير المصير للسودان في نيويورك.
سادساً: انقلاب 17/11/1958م كان فيه أهم أثرين: الأول أن الانقلاب عندما وقع وقعت أول حالة اختلاف بين الوالد وولده، وهذه كانت كبيرة الأثر لأن الإمام عبد الرحمن كان يتوقع من الانقلاب أن يحقق أهدافاً معينة ويعود الضباط إلى دورهم، ولكن الذي حدث كان غير ذلك، ولذلك الإمام عبد الرحمن فجع هو نفسه فاجعة كبيرة بما حدث مما أدى إلى انفجار قلبه ووفاته في نفس الشهر الذي حدث فيه وضوح بأن الانقلابيين قد غيروا مسلكهم .
سابعاً: الوفاة الأسطورية، والوصية التاريخية: كانت وفاة الإمام أسطورية لأنه بصورة مدهشة وهو يحتضر، مع الألم الذي كان يعاني منه كما قال لنا الدكتور، وكان حاضراً لوفاته إحدى عشر طبيباً. كان المشهد مؤلم جداً لأنه لم يهتم بالألم وطبعاً لم يكن مخدراً وطلب مني أن أحضر ورقة وقلماً، وأملى عليّ: “خيركم من مات على وصية”، “ليس منا من مات ووصيته ليست تحت وسادته”: أحاديث شريفة، ثم أسهب في الكلام عن أشياء كثيرة جداً، ثم تحدث في الأمر بعبارتين ثوريتين:
العبارة الثورية الأولى: نحن ما عندنا في السودان طلب خاص، هدفنا حريات المواطنين وحكم الشورى والديمقراطية احرصوا عليها مهما كلفكم الأمر.
النقطة الثانية: زعماء القبيلة في السودان أو الطريقة يخلفهم في العادة ابنهم أو أخوهم، بينما قال: تكون هناك إدارة مؤقتة لكن تكون قيادة الأنصار انتخابية. هذا خروج عن المعتاد، وطبعا هذا شيء ثوري.
وبعد أن استكتبني الوصية عن كل الأشياء التي ذكرتها، وكرر معي الكلام ليتأكد أني كتبته كله، رفع يده بالفاتحة، وقال لي الفاتحة على روح أبيك، “شال معاي الفاتحة”، ورقد لكي يلاقي ربه. كان أحد الحضور دكتور بريطاني اسمه مورغان خبير بكلية كتشنر، وهو موجود مع الأطباء، قال لنا “لو في حاجة اسمها جنة، فزولكم دة ماشي هناك طوالي”. لأنه قال هذا الرجل لديه ألم إما يكون شديداً لدرجة لا يستطيع الكلام، أو يكون مخدّراً بدرجة لا يستطيع الكلام، وهو لم يكن مخدراً ولا متألماً ألماً مانعاً، لذلك رأى في ذلك كرامة.
ثامناً: النهايات المأسوية لقيادات هذا الكيان: المدهش وأنا أستعرض كياننا هذا والذين قادوه: الإمام المهدي، الخليفة عبد الله، الإمام عبد الرحمن، الإمام الصديق والإمام الهادي. كلهم ماتوا ميتة مأساوية. الإمام المهدي مات في أوائل أربعينات العمر، وهو شاب بينما كانت الثورة وصلت إلى قمتها. الخليفة عبد الله مات في أم دبيكرات أمام الرصاص الذي تعرض له كفارس، ففرسان السودان في التقليد السوداني لا يقبلون أن يؤسروا لذلك حينما يواجهون موقفاً ميؤوساً منه عسكرياً يستميتون. الإمام عبد الرحمن فجعته الخيانة والغدر الذي حدث وهذا أدى لتفجير قلبه فتوفي نتيجة له. والإمام الصديق كذلك كما روينا. والإمام الهادي اتخذ موقفاً محدداً من رفض الانقلاب المايوي وفي النهاية قتل قتلاً هو أكبر هجوم وتعدٍ على حقوق الإنسان لأنه قتل وهو أسير، وطبعاً معاهدات جنيف لا تسمح بقتل الجرحى ولا بقتل الأسرى. وقبل معاهدات جنيف فهذا هو موقف الشريعة الإٍسلامية.
في استعراض هذه المعاني أقول لعلها سنة: لأننا حينما نرجع لنرى الصف المؤسس لهذا الدين نرى نفس الشيء.
النبي عليه الصلاة والسلام: عن عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: “يَا عَائِشَةُ، مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِى أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِى مِنْ ذَلِكَ السَّمِّ” (رواه البخاري).
أبو بكر الصديق رضي الله عنه: روى ابن سعد في طبقاته وآخرون، أنه والحارث بن كلدة، كانا يأكلان من طعام واحد فقال له الحارث: “ارْفَعْ يدك يا خليفة رسول اللَّه، والله إنّ فيها لَسَمّ سَنَةٍ وأنا وأنت نموت في يوم واحد”، وقد كان.
أما مقتل الخلفاء الراشدين الباقين الثلاثة عمر وعثمان وعلي رضى الله عنهم وأرضاهم، فقد كان اغتيالاً مشهوداً.
أقول بالنسبة لزعمائنا والمآسي التي انتهت بها حياتهم، وهذه المآسي التي انتهى بها عهد الراشدين، لعلها سنة، قال الحكيم:
على قدر فضل المرء تأتي خُطُوبُه ويحسن فيه الصبر فيما يُصِيبُه
أو كما قال آخر:
قدْ ينعمُ اللهُ بالبلوى وإنْ عظمتْ ويَبْتَلي اللَّه بعضَ الناس بالنعَمِ
ختاماً: في يوم الذكرى هذه سلام على الصديق في جوار ربه، وسلام على ثورة أكتوبر أم الثورات الناعمة.
ولشهداء ثورتنا وحروبنا جميعاً الرحمة، وعاجل الشفاء للجرحى، والدعاء بعودة المفقودين سالمين، وحسن العزاء لأسر الشهداء، وللشعب الذي سوف يتخذ من دمائهم عزيمة للنضال والجهاد، حتى تبلغ ثورات السودان مقاصدها.
أتَعْلَمُ أمْ أنتَ لا تَعْلَمُ بأنَّ جِراحَ الضحايا فمُ
ليس الموت الحسي النهاية ففي الآخرة خلود موعود، وفي الدنيا:
قد ماتَ قومٌ وما ماتَت ْ فضائلهم وعاشَ قومٌ وهُم في الناسِ أمواتُ
في النهاية أشكر شكراً جزيلاً اللجنة المنظمة لهذا المشهد فقد قاموا بعمل عظيم جزاهم الله خيراً وعلى رأسهم الحبيب اللواء فضل الله برمة، وأشكر من شاركنا في هذا الحفل من الدبلوماسيين جزاهم الله خيراً، فهم ليسوا مندوبين لدى حكومة فقط ولكن لدى الشعوب كذلك، فهذا مشهد شعبي مشاركتهم فيه مرحب بها ترحيباً حاراً، وكذلك أشكر أجهزة الإعلام التي شاركتنا في هذا المشهد فهم أيضاً جزاهم الله خيراً فهم يمثلون عيون وآذان الأمة داخل السودان وخارجه، جزاهم الله جميعاً خير الجزاء. والشكر والتقدير لكل من حضر هذه المناسبة من داخل العاصمة ومن خارجها، فهم إذ يحيونها إنما يحيون معانٍ هي في قلوبهم بالنسبة للإمام الصديق وبالنسبة لثورة أكتوبر أم الثورات الناعمة السودانية.
والسلام عليكم ورحمة الله،،
ملحوظة: قام المكتب الخاص للإمام الصادق المهدي بتفريغ الكلمة من التسجيل الصوتي.