على خلفية الإنحدار المريع لمؤشرات العلاقة بين بلدي وادي النيل ، السودان ومصر، نحو الأسوأ في الفترة الأخيرة متمثلة في التصعيد الإعلامي السالب الذي بلغ في حدته دركاً غير مسبوق ، وفشل لازم النظام ، ودبلوماسية رسمية مضطربة عاجزة ، قائمة على التبعية ؛ وإيماناً من حزب الأمة القومي بضرورة مراعاة حتميات الجوار وإستحالة قيام علاقة بين البلدين على أساس من العداء أو التبعية ؛ وحتى يتمكن الحزب من توصيف ما يجري حالياً في الساحة بين البلدين وتحليله وتشخيص مواطن الخلل فيه ، والوقوف على آثار التجاذبات الإعلامية والدبلوماسية الأخيرة التي أدت إلى توتر العلاقات على كافة المستويات ، وإدراك مواضع الخلافات المشروعة ، وبلورة حلول توقف التصعيد والمكايدات والمزايدات الراهنة من ناحية ، وتعمل على هندسة علاقة إستراتيجية بين البلدين تقوم على المصالح المشتركة الموجِبة لتعاون مؤسس ، وتضع آليات التعامل معها من ناحية أخرى ، دعا ـ الحزب ــ لورشة عمل تحت عنوان “العلاقات السودانية المصرية ما بين التجاذبات الإعلامية والدبلوماسية والمتغيرات الإقليمية والدولية ” ، وذلك بدار الأمة ـ أم درمان في يوم 30 أبريل 2017م . وقد شارك في الورشة لفيف مقدر من الدبلوماسيين والأكاديميّن والمفكرين والسياسيين والمهتمين بالشأن .
ناقش المشاركون في الورشة أربعة أوراق عمل . الورقة الأولى قدمها الإمام الصادق المهدي ، رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار متطرقاً فيها للخلفيات التاريخية للعلاقة بين البلدين ، وأثر الجغرافيا والطبوغرافيا ، وقضايا مياه النيل الشائكة بما في ذلك إتفاقات السودان ومصر والسد العالي وسد النهضة ، ومنافع السد النهضة ومضاره لكل من البلدين مع ضرورة تجنب المحورية الثنائية وإيجاد آليات وفاقية لإدارته في ظل شراكة ثلاثية بين السودان ومصر وأثيوبيا .
وقدم الورقة الثانية والتي هي تحت عنوان ” العلاقات المصرية السودانية : المصالح المتضاربة والزواج المستحيل” سعادة السفير إبراهيم طه أيوب . تحدثت الورقة عن المداد الكثير الذي أريق حول خصوصية العلاقات المصرية السودانية دون أن يؤدي ذلك لإنفراج في العلاقات الثنائية ، تماماً كما يتكرر الحديث عن التاريخ المشترك والمصير المشترك والعدو المشترك دون حتي تعريف ماهية هذه الموصوفات . وذهبت الورقة الى ضرورة التخلي عن الشعارات فارغة المحتوى وتأسيس العلاقة على المصلحة الذاتية المحضة . وتدعو الورقة في النهاية إلى فك الإسار عن المفاهيم العاطفية التي تحصر التعامل مع مصر بإعتبارها الشقيقة الكبري مع الإعتراف بالمصالح المشتركة بين البلدين
الورقة الثالثة والتي قدمها السفير كمال أحمد فضل كانت تحت عنوان “السودان ومصر” .
تحدثت الورقة الرابعة التي قدمها د. سيد محمد أحمد أبو جيب تحت عنوان “نظرة للعلاقات الإقتصادية والتجارية المصرية السودانية ” عن العلاقة الأزلية بين البلدين . إلا أنها تساءلت عن كنه تفضيل مصر التعامل مع النظم العسكرية في السودان . وأكدت الورقة أنه مهما يكون الأمر فإنه لا فكاك لأي من البلدين عن الآخر نسبة للروابط الشعبية المتينة وعلاقات التبادل التجاري القديمة والتي يجب أن تكون تكاملية وليست تنافسية .
ناقش المشاركون هذه الأوراق بإستفاضة وخرجوا بعدد من التوصيات القيمة . وهم في النهاية إذ يعبرون عن تقديرهم لحزب الأمة القومي على تفاعله الدائم والمستمر مع القضايا الحيوية للوطن ، ويجزلون الشكر له على إتاحة الفرصة لهم للمشاركة عبر مثل هذه ورش في بلورة توجهات البلد وإقتراح الحلول لأزماته ، ويقدرون المجهود الكبير الذي بذله مقدمو الأوراق في إعداد هذه الأوراق القيمة ، ويثمنون المهنية التي إتصف بها إعداد الورشه ، ليتمنون أن يعمل طرفا وادي النيل بصدق لإيقاف هذه التراشقات غير المبررة فوراً .
التوصيات:
أجمع المشاركون ، في الورشة المقامة على خلفية التصعيد الإعلامي المؤسف في كلٍ من السودان ومصر، على ضرورة الوقف الفوري للتصعيد الإعلامي والمكايدات والمزايدات بين البلدين وهندسة علاقة إستراتيجية بين البلدين تحدد المصالح المشتركة الموجِبة لتعاون مؤسس ، وتدرك مواضع الخلافات المشروعة وتضع آلات التعامل معها .
وفي السياق قدمت التوصيات الآتية :
أولاً : فيما يتعلق بالعلاقات الإستراتيجية بين البلدين :
1. التأكيد على روابط التاريخ والجغرافيا بين البلدين وحتمية التواصل بينهما في إطار علاقة دائمة مستمرة .
2. إعادة قراءة التاريخ للتخلص من العقد التي كرستها دعاوى السيادة الخديوية على السودان للتخلص من ردود الأفعال المرتبطة بها.
3. ضرورة بناء علاقة إستراتيجية بين البلدين تقوم على أساس حتميات الجوار والمصالح المشتركة ، والأمن المشترك ، وبالتالي التكامل بين جارين على أسس من الندية والمعادلات الكسبية للطرفين بما يُتَجنّب معه إحتمالات وقوع علاقات تقوم على أيٍ من المستحيلين العداء أو التبعية .
4. تبني سياسات متوازنة بعيدة عن المحاور والتحالفات التي تضر بمصلحة البلدين.
5. قيام ورش تخصصية لمناقشة كافة جوانب العلاقة بين البلدين وإصدار التوصيات بشأنها .
6. تحديد المصالح المشتركة بين البلدين برصد دقيق لمطلوبات السودان من مصر ومطلوبات مصر من السودان والتوفيق بينهما بما يحقق مصالح البلدين المشتركة .
7. جمع الصف الوطني السوداني حول مصالحه الإستراتيجية مع مصر ومطلوبات السودان منه ، وما يحقق تلك المصالح والمطلوبات في ظل علاقة متوازنة تخدم المصالح المشتركة بين البلدين ، وتضمن إعلاء تلك المصالح الإستراتيجية على المصالح الذاتية والحزبية .
ثانيا : فيما يتعلق بمسألة مياه النيل وسد النهضة :
1. الإتفاق بين السودان ومصر على نهج وفاقي لمعالجة مسألة مياه النيل بمشاركة كافة دول حوض النيل .
2. أن يتجنب السودان المحورية الثنائية مع أيٍ من مصر وأثيوبيا فيما يتعلق بمسألة مياه النيل وسد النهضة ، وأن يعمل على قيام الشراكة الثلاثية بين السودان ومصر وأثيوبيا .
3. الإتفاق على الإلتزام بتوصيات الهيئة الفنية المكلفة (هي هيئة تابعة لمبادرة وادي النيل تحت إشراف مجلس وزراء الري بحوض النيل ) .
4. الاتفاق على آلية تشاور حول إدارة السد.
5. مراعاة حاجة كلا الدولتين (السودان ومصر) للمياه ، وحقيقة أن حاجة مصر أكبر وسكانها أكثر، وتضمين ذلك في إتفاق .
6. إبرام إتفاق “حوض النيل الإطاري” ( وهو الإتفاق السياسي الذي بموجبه تطبق التوصيات الفنية) مع ضبط أية تغييرات تُحدث أذىً جسيماً لدولتي المجرى والمصب.
7. الإتفاق على أن يكون التصويت داخل مفوضية حوض النيل في القضايا المهمة بأغلبية الثلثين وأن يودع هذا الإتفاق لدى الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة.
8. أن يقوم حزب الأمة بالمبادرة بالدعوة لمؤتمر شعبي سوداني قومي بغرض دراسة توصيات الورشة التخصصية والخروج على ضوئها باستراتيجية سودانية للعلاقات المصرية السودانية يكون واحداً من محاورها موضوع المياه . يعقب المؤتمر الشعبي القومي السوداني مؤتمراً آخر لشعبي دولتي وادي النيل ، السودان ومصر، ثم ، من بعد ذلك ، مؤتمراً لشعوب حوض النيل .
ثالثاً : فيما يتعلق بالمشاكل الأمنية والحدودية بين البلدين:
1. الحوار الشفاف حول المآخذ السودانية على مصر ونقاط الخلاف بينهما ومناطق النزاع (الفوقية في التعامل ، احتلال مثلث حلايب وشلاتين ، نتوئة حلفا وأد الديمقراطيات السودانية والتدخل في شأنه الداخلي على مر العهود..الخ) ، والمآخذ المصرية على السودان ( محاولة إغتيال الرئيس المصري في عام 1995، التدخلات الأمنية في الشئون المصرية ودعم الحركات التي تصنفها مصر إرهابية…الخ) والسعي لإيجاد الحلول لها وتجاوزها .
2. العمل على حل جميع المشاكل بين البلدين وفق الأسس الدبلوماسية والتوافقية.
رابعاً : فيما يتعلق بالمصالح الإقتصادية بين البلدين :
1. انتهاج سياسات إقتصادية ثابتة ومستقرة توضع وتُنفذ على أسس علمية بعيداً عن تجاذبات السياسة والإعلام.
2. إدراك مدى حاجة البلدين ، كل للآخر ، وأن العلاقات الإقتصادية بين السودان ومصر تكاملية وليست تنافسية مما يضمن لها الإنتعاش والبقاء.
خامسا : فيما يتعلق بآلات التعامل مع نقاط الإختلاف :
1. التأكيد على أهمية قيام نظم حكم رشيد في البلدين لضمان علاقات متوازنة تحقق مصالح شعبي البلدين وأولوياتهما الإستراتيجية عوضاً عن الأوضاع والأنظمة الشمولية التي تتناول تلك العلاقات المهمة ، كملفات أمنية.
2. التأكيد على أن العلاقات بين مصر والسودان علاقة بين شعبين أكثر منها بين نظامين . لذلك يقع على شعبي وادي النيل مسئولية السعي حثيثاً لعلاقات حُسن الجوار ومراعاة المصالح المشتركة.
3. تعزيز البُعد الشعبي للعلاقات الثنائية عبر منظمات المجتمع المدني بشقيها التقليدية والحديثة لمد جسور التواصل بين البلدين.