حزب الأمة القومي
إفطار الأمانة العامة السنوي
25 رمضان 1440هـ ـ 30 مايو2019م
استحقاقات نجاة الوطن
كلمة رئيس الحزب الإمام الصادق المهدي
زملائي مؤسسة رئاسة حزب الأمة، وأخواني وأخواتي قيادات القوى السياسية والمدنية السودانية، وضيوفنا الكرام الإعلاميين، وضيوف السودان أعضاء البعثات الدبلوماسية بالسودان،
أخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي،
السلام عليكم، وأطيب البركات في شهر الصيام.
الشعب السوداني تعرض ثلاث مرات لاحتلال داخلي باسم من سموا أنفسهم ضباطاً أحراراً في المرتين الأخيرتين. واجه الشعب السوداني هذا الاحتلال الداخلي بثورات مدنية ثلاث، وبمقاومة مسلحة انطلقت أرضيتها ضد هذه النظم ساهمت في استنزافها. وفي المرتين السابقتين تجسدت الثورة في تحالف سياسي مهني في الأولى باسم جبهة الهيئات وفي الثانية باسم التجمع النقابي، وفيهما كان لنا دوراً مفتاحياً في نزع الشرعية عن نظام الطغيان باعتبارنا أصحاب الأغلبية الانتخابية. وفي أكتوبر1964م عندما احتدم الأمر زارنا ممثلان للسلطة الحاكمة للتفاهم معنا فرأينا أن يشمل التفاهم جبهة الهيئات وقد كان، وكتبنا بموافقة الجميع ميثاق أكتوبر.
وفي المرة الثانية عبأنا والقوى السياسية ضد النظام، وعندما احتدم الامر قاد التجمع المهني حشداً زودناه بميثاق الثورة الذي تبنوه، وناشدنا القوات المسلحة في الخامس من أبريل علناً الانحياز للشعب، وقد كان في 6 أبريل 1985م.
ولدى قيام الانقلاب المخادع الكذوب في يونيو 1989م حرصنا على تعرية دعواه الإسلامية، فمبادئ الإسلام تحرص على الخماسية الذهبية لحقوق الانسان: الكرامة والعدالة والحرية والمساواة والسلام، وتؤسس ولاية الأمر على الرباعية الماسية: المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون. الانقلابيون جافوا هذه التسعة المباركة: فرضوا نظاماً فاشستياً تحت شعار الإسلام هو الحل، ومثلما عرينا دعواه داخلياً نحرص الآن على كشف أنموذجه للعالم أجمع.
وساهمنا على طول 30 عاماً في نزع الشرعية عن نظام يونيو، وساهمت ثورات المقاومة في استنزافه، ورفضنا على طول مدته من مشاركته حتى عندما انخدع كثيرون وشاركوه بعد عام 2005م.
واجه شعبنا النظام المخادع الكذوب بست انتفاضات في 1990م، 1996م، 1998م، 2006م، 2012م و2013م. ونتيجة لما تراكم ضد النظام من رفض أعلنا في 5 يناير 2019م أن النظام صار جنازة تتطلب الدفن. واستقبالا لحشد السادس من أبريل أعلنا في خطاب الجمعة في الخامس من أبريل أن الخروج في حشد السادس المنتظر فرض عين على كل وطني.
إن حشد السادس من أبريل كان عظيماً، ولعب تنظيم المهنيين دوراً مهماً فيه، كما استقبله ضباط أمام القيادة العامة بالاستضافة. إن ضخامة الحشد، والحماية العسكرية من ضباط في القيادة العامة، من بركات ثورة ديسمبر2019م التي انطلقت من الأقاليم وتجسدت في الاعتصام الباسل.
وفي 10 أبريل اجتمع بنا والأخوين محمد وداعة ويحيى الحسين ممثلان للسلطة، حيث أبلغنا السيد أحمد هارون أن القرار صدر بفض الاعتصام بالقوة. قلت له سوف انضم لهذا الاعتصام، قال لن تجد من تنضم إليه. قال الأخ وداعة إذن اقتلوهم واقتلوه وتقبلوا النتائج. ههنا خالف ممثل السلطة الآخر السيد صلاح قوش كلام زميله وقال: لن يفض الاعتصام بالقوة. وفي نفس الليلة اجتمع رئيس النظام بلجنة الأمن المكونة من رئيس هيئة الأركان، وقائد الدعم السريع، ومدير الشرطة ومدير الأمن، وأمرهم بفض الاعتصام بالقوة وإلا فسوف يباشر شخصياً هذا الأمر، وتركهم لبحث تنفيذ أوامره، ولكنهم قرروا عصيان أمره وإبعاده وحماية المعتصمين. هذا القرار وليد لحظته لأن رئيس النظام لو كان يظن أنهم سوف يفعلون ما فعلوا لبدد شملهم.
مطالب الشعب المشروعة التي فتح ذلك الإجراء نافذة لتحقيقها هي: تحقيق سلام عادل وشامل، وحوكمة ديمقراطية منتخبة انتخاباً حراً. وقبل تحقيق هذه الأهداف هنالك حاجة لفترة انتقالية سوف تقوم على تحالف بين كافة عناصر التغيير المدنية والعسكرية بصورة متفق عليها.
الإجماع السياسي والمهني الحالي هو نتاج تراكم عمل مكثف قمنا به وآخرون في القوى السياسية لصياغة مواثيق تجمع شتات المقاومة، بلغ قمة أولى بتكوين نداء السودان الذي ضم القوى السياسية والمسلحة والمدنية الرئيسية بالبلاد في ديسمبر 2014م، وقمة ثانية في ميثاق الخلاص المعلن من داخل دارنا في 17 يناير 2018م وقد أجمع عليه حتى الذين خرجوا من نداء السودان من قوى الإجماع، وجاء إعلان الحرية والتغيير في ديسمبر ناهلاً من تلك المواثيق وبانياً على الوحدة التي خلقتها. قدم تجمع المهنيين مسودة الإعلان وشاركنا في نقاشها في مكان سري بالخرطوم في 30 ديسمبر 2018م، وحينما خرج الإعلان للعلن في 1 يناير كنا كنداء السودان من أوائل القوى المؤسسة للتحالف الذي انبنى عليه. تحالف سياسي مهني تولى التعبئة الثورية تنسقها تنفيذياً تنسيقية متفق عليها قامت بدور عظيم في هذا الصدد. ولكنها كانت تفتقد مرجعية قيادية حالت مناورات تعويقية دون تكوينها. ارتكبت هذه التنسيقية بعض الأخطاء أهمها إعلان تجميد التفاوض بصورة متعجلة في 21 أبريل، وتقديم وثيقة دستورية للمجلس العسكري معيبة في 1 مايو، ومخاطبة الأسرة الدولية بخطاب تطالبها التدخل المباشر في الشأن السوداني في 14 مايو.
التفاوض بين الحرية والتغيير والمجلس العسكري حقق بعض التقدم، وللضغط على المجلس قررت الهيئة التنسيقية إعلان الاضراب السياسي في يومي 28 و29 مايو، ومع ذلك فإن حزب الأمة القومي في اجتماع مجلس التنسيق الأعلى الممثل لقادة الأجهزة في 26 مايو، وفي المكتب السياسي في يوم 27 مايو، قرر رفض هذا التصعيد. أولاً لأن مثل هذا التصعيد يجب أن يصدر من مجلس قيادي. ثانياً لأن هذا التصعيد ليس في وقته المناسب وأنه لن يحقق اختراقاً بل سوف يدفع لتصعيد مضاد من المجلس العسكري ويفتح الباب واسعاً لعناصر الثورة المضادة كما سماه في ظروف مماثلة لينين قائد الثورة الشيوعية اليسارية في روسيا، ورفضه الشيخ حسن البنا عندما اندفع به من سموا أنفسهم شباب محمد.
وَوَضْعُ النّدى في موْضعِ السّيفِ بالعلى
مضرٌّ كوضْع السيفِ في موضع النّدى
وقال الفقيه المجتهد العز بن عبد السلام كل أمر يحقق عكس مقاصده باطل.
وفي 23 مايو قلنا إن علينا أن نكون مجلساً قيادياً للحرية والتغيير مهمته الأولى الاتفاق مع المجلس العسكري على ميثاق شرف أو إعلان مبادئ مشتركة. ومن جانبنا يقوم المجلس القيادي بتكوين حكومة مدنية بخبراء لا محاصصة حزبية، وتكوين مجلس تشريعي يضم القوى السياسية والمدنية وممثلي المقاومة المسلحة، مع نبذ العنف وترك ثلاثة أمور فقط للتفاوض مع المجلس العسكري هي: تكوين مجلس سيادة مشترك، وتكوين هيئة قضائية مستقلة، وتكوين مجلس دفاع وأمن يتفق على صلاحياته.
هذه هي مواقفنا التي لم نحددها فإن حددناها ورفضها المجلس العسكري حينئذٍ نلجأ لأسلحتنا المدنية ضده.
نتيجة إضراب الثلاثاء والأربعاء مهما كانت نسبته يحقق عكس مقاصده. فقد اتجه المجلس العسكري لتصعيد مضاد، وانفتح الباب واسعاً لكل القوى المعارضة التي لم يشملها إعلان الحرية والتغيير لاعتباره تنظيماً لا يمثل الشعب. وانفتح الباب واسعاً لقوى الثورة المضادة المدنية فانتعشت بصورة غير مسبوقة. وهكذا انفتح الباب واسعاً لزحزحة المجلس العسكري للمربع الأول. ولكن حذار ثم حذار – أيها المجلس- حتى لا تضع نفسك في نفس خانة البشير فتمحو موقعك الإيجابي. وحتى إذا تحلى المجلس بالوعي الوطني ولم يتزحزح عن موقفه، فإن توازن القوى الجديد قد يغري بحركة انقلابية يمينية ضده، أو حركة يسارية يقودها ضباط أحرار يكررون إذا نجحوا المأساة التي شقي بها السودان مرتين باسم هذا الشعار الزائف في الطريق للطغيان. نحن كقوة مدنية نستطيع شل الحياة بالإضراب والعصيان بصورة أضخم مما حدث مما يدفع المجلس العسكري نحو مربع الطاغية أو يغري صناع انقلاب الإنقاذ لإعادة الكرة بسند خارجي أو يغري آخرين من يسارهم استنساخ الكارثة المايوية.
علينا بسرعة أن ندرك حقيقة ما حدث، ودور التعجل بالإضراب فيه، وتكوين المجلس القيادي لدراسة الموقف وإبداء الاستعداد لإبرام ميثاق شرف أو إعلان مبادئ مع المجلس العسكري يركز على الشراكة في المرحلة الانتقالية، وعلى تثبيت مكاسب الثورة، وعلى حماية الاعتصام المنضبط من العنف، ويركز على تحقيق استحقاقات وحدة الصف بين قوى الحرية والتغيير باعتبارها الضامن لنجاح الثورة.
ما لم نفعل ذلك فإننا سوف نتيح الفرصة لتوازن القوى الجديد أن يشكل أجندة المرحلة، بل سنجد العناصر المكونة للحرية والتغيير نفسها مدفوعة لأجندات حزبية مختلفة في حالة هي غاية ما تتمناه لنا قوى الثورة المضادة، فالتطرف في غير وقته هو من معاول الثورة المضادة كما في المثل: الفات حده ينقلب ضده.
علينا عاجلاً أن نتفق على الموقف الموحد لإنقاذ مكاسب الثورة، ولتكوين الحقبة الانقالية بصورة تدير الشأن الوطني بكفاءة، وتمهد لتحقيق السلام العادل الشامل ولتحقيق التحول الديمقراطي، فإن شعار مدنية وحده لا يكفي لتحقيق مطالب الشعب المشروعة ولا يكفي لنيل شرعية دولية.
إن نجاح الفترة الانتقالية في تحقيق الرباعي: نظام حكم انتقالي برلماني فيه شراكة مدنية عسكرية في السيادة، ومدنية الحكومة التنفيذية والتشريعية، وخطة التحول الديمقراطي وبرنامج السلام العادل، وفي هذا المجال نرحب بعودة بعض قيادات الجبهة الثورية للوطن كمبادرة سلام. إننا نرحب بمقابلة المجلس العسكري لوفد الحركة الشعبية بقيادة الأخ ياسر عرمان وبحث موضوع السلام معهم مما يشجع الآخرين على القدوم للوطن، ونوجه النداء للأخوين عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد النور الإقبال على السلام في المناخ الجديد، ونكرر مطالبتنا أن تلغى الأحكام الصادرة بحقهم وغيرهم من قادة النضال المدني والمسلح، ونرجو أن يجدوا الترحيب ضمن إعداد المناخ المناسب للسلام.
فإذا أخفقنا في هذه المهام الأربعة فسوف نعرض بلادنا للردة وللارتهان لأجندات محورية تتنازع مصيرنا.
نحن في حزب الأمة القومي قد شمرنا كالعادة للمشاركة في استحقاقات نجاة الوطن، ونرفض أجندات التصعيد غير المحسوبة وغير المتفق عليها التي تحقق عكس مقاصدها. أما الذين تعمدوا ان يكيلوا لنا الاتهامات فنقول لهم: العنقاء تكبر أن تصادا. صناع الثورة المضادة هم الذين يرفعون شعارات أيديولوجية تعبئ الخصوم ضد الثورة، وتفتح النوافذ لقوى الردة، وكما قال المسيح عليه السلام: بثمارها تعرفونها، فثمار الاندفاع الأهوج مرة.
إن حماسة شبابنا مقدرة بل مطلوبة ولكن المعادلة الصحيحة هي:
تَدبيرُ ذي حُنَكٍ يُفَكِّرُ في غَدٍ
وَهُجومُ غِرٍّ لا يَخافُ عَواقِبا
قد بلغت اللهم فأشهد:
أَمَرْتُهُمُ أَمْرِى بمُنعَرَجِ اللِّوَى فلم يَسْتبِينُوا الرُّشدَ إِلا ضُحَى الغَد
يا حكماء السودان هلموا لنجدة الوطن من مساجلات أهل بيزنطة التي تودي بمكاسب الثورة وتعيد البلاد القهقري نحو مايو 1969م أو يونيو 1989م وتتكرر المآسي.
والسلام عليكم وعلى شعبنا يوم نهض ويوم ينتصر ويفتح مرحلة تاريخية جديدة في عالمنا تؤذن بحتمية قيام ولاية الأمر على رضا الشعوب وسحقاً لصناع الحروب والطغيان.