*مبارك متقلِّب انتقل من إسقاط النظام إلى متسوِّل أول في مائدة المؤتمر الوطني
*موضوع لجنة عودتي أظهر اختلافات تنظيمية حول قيادة الأمانة العامة و المكتب السياسي
*الحزمة الاقتصادية غير مجدية وتحمَّل المواطن أعباء الحكومة
مقدمة:
بعد صدور مخرجات الحوار الوطني اتجهت الأنظار نحو حزب الأمة القومي، وكثرت لذلك نتيجة التوقعات حول انضمام الحزب للحوار في مرحلة المخرجات، خاصة وسط عضوية المؤتمر الوطني الذي يتطلع لانضمام حزب الأمة للمخرجات بوصفة أكبر الأحزاب المعارضة للحوار الآن في الساحة، وتعضدد هذا الاتجاه بعد إعلان “الصادق المهدي” قرب عودته للبلاد وبدأت الاستعدادات فعلياً من جانب حزبه بتكوين لجان الاستقبال، إلا أن واقع الحال بحسب المعطيات لا يوجد حتى الآن ما يسند هذه التوقعات خاصة بعد دخول السيد “مبارك” ومباركته لموضوع الحوار، لكن طالما أن ليس هناك ثوابت في السياسة فليس من المستبعد أن يكون لموضوع عودته له ما بعده.
(المجهر) أجرت حواراً عبر الهاتف مع رئيس حزب الأمة القومي السيد “الصادق المهدي” من موقع إقامته بالقاهرة، تناول موضوع عودته وخلافاته مع ابن عمه السيد “مبارك الفاضل” وما حدث من خلاف حول تكوين لجنة استقباله، فماذا قال؟ حاوره عبر الهاتف من القاهرة/ محمد جمال قندول
{السيد “الصادق” متى ستعود إلى البلاد؟
مبدأ عودتي للبلاد متفق عليه الآن، ولكن هنالك ترتيبات جارية لتتخذ العودة طابعها القومي والتعبوي وستقرر هذه المسائل لجان معنية.
{ما رأيك في قرار المجلس التنسيقي الذي دعا لمؤتمر عام وقام بعزلك؟
حزب الأمة القومي بمؤسساته الشرعية ودستوره، وهو بهذه الصفة المعني بالقرار حول قيادته وبرامجه. أما الأنشطة الضرار التي يحرِّكها المؤتمر الوطني وأجهزة أمنه، فهي مجرد تخاريف يعلم القائمون بها أنفسهم أنها أنشطة مرجفين لا تؤثر في كيان حزب الأمة بشيء، اللهم إلا أن تؤكد له انزعاج الحاكمين بدون شرعية من شرعية حزب الأمة الفكرية والشعبية والتاريخية والدولية، ما جعله يبحث عن مخالب قط لعرقلة مسيرة حزب الأمة القومي، ولكن هذه المكايدات المكشوفة إنما تفيد حزب الأمة القومي من باب: ” الضد يظهر حسنه الضد”.
{“مبارك الفاضل” قال لك قبل أيام بأنكم روحين في جسد؟
لكل شخص أن يدَّعي ما يشاء، ولكن حتى عندما كنا متفقين سياسياً ثم فيما بعد اختلفنا فإن صاحب هذا الإدِّعاء وشخصي مختلفان في سبعة مجالات.
{ما هي؟
إنني مشغول بمُثلٍ روحية وفكرية علياً. وهو بعيد عن هذا الجانب تماماً، مشغول بالمسائل العملية وأهمها الانحياز للسلطة وجمع المال بصرف النظر عن أية ضوابط.
وإنني مشغول بالهم الثقافي في كل المجالات بحثاً، وتأليفاً، ودراسة وهو يعتبر هذه الأنشطة مضيعة للوقت.
كذلك فإنني صاحب موقف فكري وسياسي مبدئي من الشأن العام في السودان، وهو يتقلَّب حربائياً (180) درجة. وآخر هذه التقلبات انتقل فيها من التوقيع على ميثاق الفجر الجديد الذي يدعو لإسقاط النظام الحالي بالقوة ولتقرير المصير لمناطق معينة في السودان إلى متسوِّل أول في مائدة المؤتمر الوطني.
وأنا لستُ مشغولاً بعيوب الناس، وأتناول الحديث عن الكافة بمن فيهم الخصوم بموضوعية. أما هو فهو مشغول بعيوب الناس ما جعله رائداً لثقافة النميمة.
في التعامل مع الآخرين أنا التزم نهجاً ديمقراطياً واحترم الآخر، ولكنه هو أوتوقراطي بالطبع لا يقيم للرأي الآخر وزناً، وعلى استعداد أن يهدر رأي الجماعة، يشترك في قرار جماعي، كما حدث في فبراير 2001م، ثم يذهب فوراً لتقويضه وتكوين حزب ضرار. ثم يجمع من سماهم مؤتمراً لتكوين حزب إصلاح وتجديد ثم يقرر حل ذلك الحزب دون مشاركة من كوَّنوا الحزب الضرار، وهكذا.
وإنني لم أقبل أي موقع إلا منتخباً وهو لم ينل أي موقع انتخابي، بل حتى النيابة في البرلمان، كانت كما يعلم هو قبل غيره، أن لجنة الحزب في دائرة تندلتي بعد أن عجزت عن الاتفاق على مرشح طلبت مني تزكية شخص فزكيته لهم.
أنا لم أنل رئاسة حزب الأمة بالوراثة، ففي اجتماع التأسيس الثاني لحزب الأمة بعد ثورة أكتوبر، كان رأي أعمدة أسرة “المهدي” اختيار السيد “محمد أحمد محجوب” رئيساً لحزب الأمة، ولكن الجمعية العمومية للتكوين الثاني للحزب رفضت ذلك، وقال قائلوها ننتخب لرئاسة الحزب الشخص الذي أبلى فكراً ونضالاً في معارضة الدكتاتورية وفي ثورة أكتوبر 1964م، لنضاله لا لحسبه. السيد “مبارك” كان موظفاً في شركة صهره المرحوم د. “خليل عثمان” وقد اخترناه ليمثل أسرة السيد “عبد الله رحمة الله”. صحيح أنه بعد ذلك قدم مجهوداً مقدراً ولكنه صعد عبر سلم التوريث.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ” . هذا القانون يفسر ما بيننا الآن من افتراق لم أصنعه أنا، ولكن هو الذي صنعه استجابة للطباع السبعة المذكورة.
الحكومة تعترف بـ”مبارك الفاضل” ممثلاً لحزبكم بالحوار الوطني؟
بعض الناس يجهلون حقيقة استخدام اسم الأمة و”المهدي” في تصنيف الأحزاب. حزب الأمة صاحب الاسم هو المكوَّن 1945م، للدعوة لـ “السودان للسودانيين”. بعد انتفاضة رجب/ أبريل 1985م، ولدى التأسيس الثالث لحزب الأمة في 1985م، اقترحت للجمعية العمومية أن نعتبر تسمية حزب الأمة مرحلة انقضت، وأن نسمي كياننا السياسي “الحركة الشعبية الوطنية” ولكن الأغلبية رفضت ذلك، وتقدم السيدان “أمين التوم” و”زين العابدين شريف” بفكرة وفاقية أن نسمي التكوين “حزب الأمة القومي الجديد” وقد كان.
{ماذا حدث بعد انشقاقه منكم؟
بعد انشقاق “مبارك الفاضل” قام بتكوين حزب الأمة الإصلاح والتجديد، وسجله لدى مسجل الأحزاب باسم حزب الأمة، ولكن هذا التكوين الضرار تمزق على (7) كتل: كتلة انضمت للمؤتمر الوطني (جماعة مخير)، وكتلة عادت لحزب الأمة القومي (د. علي وصحبه)، وكتلة انفصلت باسم حزب الأمة الفدرالي (د. نهار وصحبه)، وكتلة سمت نفسها حزب الأمة القيادة الجماعية (د. الصادق الهادي ومن معه)، وكتلة سمت نفسها حزب الأمة الوطني (السيد مسار ومن معه)، بقي حزب الأمة الإصلاح والتجديد، ولكن الحكومة اتهمت “مبارك” بالتخابر مع خصومها فأقالته، ولكنها أبقت على فئة منهم، هم: المرحوم “الزهاوي” وجماعته. بقي مع “مبارك” في الحزب الذي كوَّنه جماعة غامر بهم في الانضمام للحركة الشعبية، ثم يغامر بهم الآن في الانضمام لأجندة المؤتمر الوطني، حيث سبقه إلى هذا الدور د. “الصادق الهادي” باسم حزب الأمة. السيدان “الصادق الهادي” و”مبارك” وقَّعا على مخرجات الحوار باسم حزب الأمة لا حزب الأمة القومي. هذا ما أكده أمين عام الحوار.
ولهذا الاشتراك في التسمية وقع خلاف بينهما. مدخل حزب الآمة القومي للحوار الوطني باستحقاقاته هو خريطة الطريق التي وقَّع عليها في أغسطس 2016م، وموقفه من نتيجة الحوار الوطني (قاعة الصداقة) نشر في كتيِّب واضح المعالم مباشرة بعد نهاية الحوار في أكتوبر 2016م، وبعد أن درس توصيات اللجان التي بعثها لنا الأستاذ “هاشم” مشكوراً. أسماء الأمة وأسماء “المهدي” تعددت، وأرجو أن يكون في هذا البيان ما يمكِّن الجميع التمييز بين الأسماء والأفعال.
1. ما رأيك بالإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة؟
بسبب سياساتها الخاطئة حشرت الحكومة السودانية نفسها في جحر ضب خرب. ولجأت لنفس الطريقة التي اتبعتها في سبتمبر 2013م، ولم تكن مجدية. الإجراءات المتخذة حالياً وصفها وزير المالية بأنها ضرورية لإنقاذ الدولة من الانهيار، أليست هذه مفارقة مضحكة مبكية أن يتحدث مسؤول من هذه الفئة التي استولت على السلطة بالتآمر الانقلابي، وبعد (27) عاماً، من الحكم أنهم بصدد إنقاذ الدولة من الانهيار؟
ما لم تقف الحروب في السودان باتفاق سلام عادل شامل. وما لم يتفق على حوكمة تقوم على رضا الشعب لا على احتلاله بأجهزة التخابر والقمع وعلى المشاركة والشفافية والمساءلة وسيادة حكم القانون ما يجفف نزيف الفساد والرشاوى السياسية والأولويات الخاطئة والسياسات المتخبطة. وما لم تطبع علاقات السودان بالأسرة الدولية عبر التعامل المتفق عليه مع (63) قرار مجلس أمن، فإن أية إجراءات مالية واقتصادية لن تجدي، بل تحمل الموطن أعباء أخطاء الحكام. نحن نرفضها ونعارضها ونهيب بالشعب السوداني كله أن يتخذ موقفاً موحداً ضدها وضد السياسات التي أفرزتها.
لجنة استقبالك خلقت حالة من الخلافات داخل الحزب؟
نعم، وقع خلاف حول تكوين لجنة الترتيب لعودتي. الخلاف أظهر أن وراءه اختلافات تنظيمية حول قيادة الأمانة العامة وقيادة المكتب السياسي، وهي خلافات مقدور على حلها بالتوافق المنشود الذي سوف تقوم به الأجهزة المعنية.
ولكن لا خلاف حول الالتزام بدستور الحزب، ولا حول خطه الوطني، ولا حول قيادته العليا، وسوف يحسم ليتفق على تجاوز المشاكل التنظيمية ويتفق على إدارة العودة وطابعها الاجماعي والقومي إن شاء الله.
كيف تنظر إلى موقف “عبد الرحمن” مساعداً للرئيس ووالده معارض خارج الحدود؟
الرد: ابني “عبد الرحمن” انفصل من عضوية حزب الأمة عندما التحق ضابطاً في القوات المسلحة بموجب قانون القوات المسلحة.
ومنذ تعيينه مساعداً، فقد صار موقفه مخالفاً لموقف حزب الأمة السياسي. وبالتالي لموقفي السياسي، وقد أعلنت هذا بوضوح. وقلت إنني لا اتهم ولاءه، ولكن أرفض حكمه السياسي على الأوضاع في البلاد. وموقفه هذا، مستقل عن حزب الأمة، ومستقل عن المؤتمر الوطني، وهو يعتقد أنه بذلك سوف يصد عنا شرور النظام الحاكم قدر المستطاع، وأنه سوف يعمل على جر الحكومة نحو الاستجابة للمطالب الشعبية. إذا نجح في هذه المهمة فسوف يكفِّر النجاح له عن مخالفاته، وإذا فشل فسوف يحكم على موقفه بنفس الميزان الذي يحكم به على الآخرين في النظام. بعض الناس لانتمائهم للعشائرية التقليدية السودانية لا يفهمون هامش الحرية الذي أتيحه لأولادي، بحيث يوجد بينهم الآن أغلبية ترفض نظام الحكم القائم جملة وتفصيلاً، وشخص يتخذ نهجاً مخالفاً. لقد أنشأت أولادي على قواعد مختلفة من التقليدية في المجالات الآتية: أمنحهم هامش حرية وهم يقهرونهم. أعاملهم بالحسنى وهم يضربونهم. أساوي بين البنين والبنات وهم يميِّزون بنيهم. يعتبرون الحسب والنسب ميزاناً للتقدير وقد غرست في أولادي مقولة البحتري:
وَلَسْتُ أعْتَدُّ للفَتَى حَسَباً حَتّى يُرَى في فَعَالِهِ حَسَبُهْ.