نحو نموذج اقتصادي جديد للتنمية
الإمام الصادق المهدي
محتويات
1) مبادئ النموذج الاقتصادي للتنمية المنشودة 1
2) النموذج التنموي الجديد في السودان 4
التحديات التي تواجه الاقتصاد السوداني حالياً 4
تطبيق النموذج 5
المجلس الاستراتيجي الأعلى للتنمية الشاملة العادلة 7
خطة الثلاث سنوات 7
3) النظم الجديدة 9
1) مبادئ النموذج الاقتصادي للتنمية المنشودة
المفهوم الجديد للتنمية قائم على التمييز بين النمو كمفهوم اقتصادي بحت، للدلالة على تطور الأنشطة الاقتصادية وزيادة لناتج المحلي الإجمالي، وبين التنمية كمردود اجتماعي معني بتحقيق مقتضيات العدالة، يشمل إضافة للاقتصاد الجوانب السياسية والثقافية والاجتماعية والبيئية كافة.
الجديد في النموذج الاقتصادي المنشود للتنمية هو:
- ألا تقاس التنمية بزيادة الدخل القومي، بل بارتباط تلك الزيادة بعدالة توزيعها.
- نقل مفهوم العلاقة بين قوى الإنتاج من التباين الحتمي إلى المشاركة، فالقطاع العام والقطاع الخاص الملتزم بأهداف ووسائل التنمية المذكورة، والنقابات المكونة ديمقراطياً، والقطاع التعاوني والتقليدي، شركاء في القرار الاقتصادي. كذلك ينبغي إشراك منظمات المجتمع المدني والشرائح المهمشة كالرعاة وصغار المزارعين والصناع والحرفيين والمبدعين الشباب في صياغة أهداف التنمية وآليات تنفيذها ومراقبة التنفيذ.
- ربط ممارسة الحقوق السياسية باستحقاقات اقتصادية اجتماعية. الديمقراطية السياسية ضرورية وجدواها تتطلب ديمقراطية اقتصادية تحقق دولة الرعاية الاجتماعية، وتتيح للمواطنين جميعاً الوصول للخدمات والرفاه الاجتماعيين.
- إدخال مقياس حقوق الإنسان الكلية، بما في ذلك الحقوق الثقافية وسلامة البيئة في مقياس التنمية المنشودة.
- إدخال أسس الحوكمة الرشيدة: المشاركة والشفافية والمساءلة وسيادة حكم القانون إلى معايير التنمية الاقتصادية الجديدة.
- التخلي عن الفهم الماضوي لأحكام ومبادئ الإسلام الاقتصادية كحبائل جر الحاضر للماضي. ينبغي عدم التعامل مع أحكام الزكاة كتميمة معزولة عن وظيفتها العدالية: تنظم الزكاة كمعاملة عدالية بين المسلمين على أساس مجتمعي وموجه صرفه على المحليات. أما الضرائب المركزية فتفرض على كل المواطنين لتمويل مؤسسات الدولة والرعاية الاجتماعية. كذلك التعامل مع تحريم الربا ينبغي أن ينظر له في إطار منع استغلال الأغنياء للفقراء. وينبغي عدم التعامل مع التشريعات الاقتصادية المسماة إسلامية حالياً كبديل للاقتصاد كعلم له قوانينه.
أحكام الزكاة جزء من السياسة الشرعية الموجبة للعدالة الاجتماعية. والمطلوب دمجها في تحقيق هذه المقاصد. ينبغي بداية إلغاء قانون الزكاة الحالي الذي يجبيها كضريبة إضافية على المسلمين بدون حولان حول ولا بلوغ نصاب، ويستبدل بقانون ينظم جمعها وعلاقتها بالمالية العامة، وكيفية إدارتها لتحقيق مقاصدها الشرعية في خطط محاربة الفقر.
وأحكام الربا تفترض ثبات قيمة النقود من ذهب وفضة بينما النقود اليوم أوراق تتغير قيمتها باستمرار، وتفترض الاقتراض للاستهلاك لا للاستثمار. الفائدة المصرفية ليست ربا، الربا المحرم بلا خلاف هو ربا الجاهلية الذي يؤدي للاسترقاق. ربوية الفائدة المصرفية اجتهاد جديد تبناه أصحاب التجربة المصرفية المسماة إسلامية، وتبنوا معه قانون تأسيس الشركات لتأسيس “البنك الإسلامي” وأقاموه في محل الفرد في صيغ البيوع لا جهة إقراض، وهو دور البنك.
سعر الفائدة الذي توجبه المصارف اليوم يعوض صاحب المال عن تدهور قيمة العملة. ويشجع الادخار بما يحقق مصلحة لأصحاب المدخرات. وسعر الفائدة يدفعه مستثمرون يحصلون على القروض لتعويض عدم ثبات العملة حتى تصبح القروض ذات جدوى مالية.
إذا استبعدنا القرض الحسن، وهو معاملة خيرية محدودة في الواقع، فإن هناك ضرورة استثمارية للاقتراض من البنوك بفائدة، ما يوجب تنظيم ذلك بما يحقق الهدف الاستثماري وينفي شبهة الاستغلال للمقترض وشبهة الربوية.
الإسلام يتطلب مبادئ اقتصادية قيمية، ولكن في الاقتصاد كعلم حديث توجد جوانب علمية كقوانين العرض والطلب والادخار والاستثمار. هذه القوانين تعمل بصرف النظر عن المبادئ القيمية.
هنالك مبادئ إسلامية ذات أثر اقتصادي مثل: الحرص على التعمير والتثمير، والكفاية، ومنع الاستغلال وتحقيق العدالة الاجتماعية. هذه المبادئ تطور الفكر الإنساني المستنير وصار يتطلبها في نصوص مواثيقه.
الإسلام محمول عقدي وثقافي حفظه الله حتى صار الآن القوة الروحية والثقافية الأكبر في العالم.
ينبغي ألا يتعامل المسلم الآن مع الإسلام كوسيلة لجر الحاضر إلى الماضي، بل عليه أن ينظر لأحكام الزكاة كجزء من تشريعات العدالة الاجتماعية. وأن يبرئ الاقتراض المصرفي من الربوية، وأن يعتمد القوانين الاقتصادية العلمية. وأن يدرك تطابق مبادئ حقوق الإنسان الحديثة في المجال الاقتصادي مع مبادئ الإسلام الاقتصادية. - النموذج الجديد يتطلب نظرة كلية لحقوق الإنسان بما يشمل الحقوق الثقافية، فللبشر حقوق ثقافية ينبغي ألا تهملها مقاييس التنمية. كذلك ينبغي اعتبار سلامة واستدامة البيئة من واجبات حقوق الإنسان، وتجريم الاعتداء عليها.
- النظام الدولي المعاصر جعل للقوى الأكبر في العالم هيمنة لا سيما في مجلس الأمن. ينبغي للدول الفقيرة أن تعمل جماعياً على اعتماد توصيات حوار الشمال والجنوب الذي أشرف عليه المستشار الألماني السابق فيلي برانت في ثمانينات القرن الماضي، وذلك لوضع أساس عدالي للتعامل بين الطرفين. كما على دول الجنوب أن تركز على التعاون فيما بينها لتحقيق مردود اقتصادي كبير لها، ولفك قبضة الشمال المحكمة على الاقتصاد والسياسة والفكر في الجنوب.
- ينبغي النظر للتنمية المنشودة عن طريق تحقيق هذه المطالب لأن النمو الذي لا يراعيها لن يحقق الاستقرار بل يخلق فراغات يستغلها الغلاة والإرهابيون.
دعك عن التبجح بنجاح حملات الغزو للقضاء على الإرهاب. فقد قدرت الأمم المتحدة الآن في 2020م وجود 230 ألف إرهابي في العالم، ومنظماتهم تتمدد، وأفضل مجالات لهذا التمدد إخفاقات الدولة الوطنية في تحقيق التنمية بالمفاهيم الكلية المذكورة، وإخفاقات النظام الدولي في التعامل بعدالة مع الآخرين، بل القاعدة في هذا المجال: لا سلام بلا عدالة. - هذا النموذج يعتبر النظام الرأسمالي بما فيه من حرية وتنافس صالحاً للابتكار والاستثمار، ولكنه معيب في العدالة الاجتماعية، ولذلك نقول برأسمالية اجتماعية لتحقيق دولة الرعاية الاجتماعية والعدالة.
- الأرض من أهم عوامل الاستثمار، ما يتطلب اعتماد سياسة قومية تنموية نحو الأرض تضمن حقوق الأهالي وتصون الموارد للأجيال القادمة، بدون التفريط في السيادة القومية للأراضي.
- المياه من أهم عوامل الحياة والتعمير، ما يتطلب سياسة قومية مائية.
- الطاقة من أهم العوامل للحياة والتنمية، ما يتطلب سياسة قومية للطاقة تراعي الاستخدام الأمثل للمحافظة على البيئة والمناخ.
- في هذا النموذج التنموي ينبغي الكف عن تصدير الموارد الخام، بل تصدر مصنعة.
- كذلك يمنع استيراد ما يمكن تصنيعه محلياً، ويطلب من البلاد الصناعية نقل صناعاتها إلينا.
- يتطلب النموذج وضع أسس للتعامل مع الأشقاء في العالم العربي وأفريقيا لصالح دعم التنمية.
- الاعتراف بالحاجة لشراكة تنموية مع دولة متطورة مستعدة لذلك.
- الكادر البشري هو أساس أية خطة تنموية، والشعب السوداني فيه قيم وإنسانيات مشهودة، وشبابه مستعد الآن للتشمير للبناء بعد إنجاز الثورة الفريدة. وهذا يتطلب التخطيط لنظم الشعب بكافة شرائحه، بمن فيهم المهجريين، في تعبئة تحقق فائضاً اقتصادياً داخلياً بجذب الاستثمارات لتمويل صناديق البناء عبر مختلف الحوافز المعنوية والروحية، وكذلك عبر نماذج تلهم زهد النخب لا تكالبها واستهلاكيتها المفرطة.
النموذج التنموي الجديد المنشود ينبغي أن يراعي هذه المطالب الستة عشر، وإلا لا تحقق التنمية الاستقرار والاستدامة.
في كتابي الذي نشرته في 2017م بعنوان “حالنا ومآلنا” قلت إن هشاشة الدولة الوطنية في منطقتنا تمهد لنوعين من التحدي لإسقاطها: ثورة الغلاة تطلعاً للقفز إلى الوراء، أو ثورة شبابية تطلعاً للقفز إلى الأمام، ولكنهما لا تحققان بديلاً مجدياً.
الجدوى الوحيدة في أن تكون القفزة للأمام مربوطة بخطة نهضوية تتكامل فيها ملفات الإصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي، وتتسنمها قيادة ثورية واعية بفرص اللحظة التاريخية وعقباتها.
2) النموذج التنموي الجديد في السودان
الاقتصاد السوداني الآن أقل بكثير من إمكاناته في المجالات التنموية الحيوية الزراعية، والصناعية، والتعدينية، والبشرية. وفي كل هذه المجالات الآن عطالة. عطالة المكون البشري وكذلك عطالة المكونات الأخرى.
إمكاناتنا الطبيعية العاطلة إذا لم نحقق تنميتها سوف تغري قوى خارجية بالتحرك لاستغلالها:
من رعى غنماً في أرض مسبعةٍ ونام عنها تولى رعيها الأسد
البيئة المطلوبة للإصلاح التنموي هي: سياسياً استيفاء شروط الحكم الراشد المذكورة ونقض إرث الشمولية والفساد الذي فرخه النظام المباد في كل مجالات العمل العام، وإدارياً إصلاح جهاز الخدمة المدنية الذي سيّس ودمرت كفاءته بالكامل.
ينبغي إضافة لتفكيك التمكين في الخدمة المدنية، تحقيق قوميتها واستقلاليتها وعدالة الفرص فيها بإضافة متطلبات العدالة والمواطنة للكفاءة والتأهيل، ورفع كفاءتها ببناء القدرات المستمر، فهي الحاضنة الفعلية لأية خطة تنموية مرتجاة.
كذلك فإن الخطة التنموية ينبغي أن يصحبها حفز للكادر البشري، بالانتباه للثقافة وحشد رموزها للبناء، وأن يلعب الإعلام، والمنظمات الشبابية والنسائية، والقادة السياسيون والدينيون والمجتمعيون والمبدعون دوراً مهماً فيها.
التحديات التي تواجه الاقتصاد السوداني حالياً
معلوم أن إيرادات الحكومة ضعيفة وحجمها مقارنة مع بلاد مماثلة أقل مما يجب. ومستوى الضرائب المباشرة فيها 6% وهي نسبة ضعيفة مقارنة بالدول الأفريقية التي تصل إلى 13% ويطالب البنك الدولي برفعها إلى 16%. وفي المقابل فإن مصروفات الحكومة على عهد النظام المباد ضخمة تفوق الإيرادات لأربعة أسباب واضحة هي:
السبب الأول: الصرف الدفاعي والأمني: لأن الحكومة تفرض إرادتها على الشعب كاحتلال داخلي. ولخوض عدد من الحروب الأهلية.
السبب الثاني: الدعم السلعي العام للمحروقات والخبز والكهرباء والذي ينتفع به كل المستهلكين ويستغله المهربون.
السبب الثالث: الصرف السياسي: فالنظام يعوض النقص في شرعيته بشراء الذمم.
السبب الرابع: غياب الشفافية والمساءلة أدى لنشر الفساد، وهو استغلال المناصب العامة لتحقيق مصالح خاصة.
ضعف الإيرادات وضخامة المصروفات أدى لعجز ضخم في الميزان الداخلي صار النظام يغطيه بالاقتراض من النظام المصرفي دون ضوابط، ويطبع النقود حتى صارت الكتلة النقدية أضعاف أضعاف ما تسمح به الإدارة لاقتصادية الرشيدة. نقدنة عجز الموازنة هذا هو السبب الرئيسي للزيادة الكبيرة في الكتلة النقدية ويجب وقفه أولاً بتخفيض العجز.
ومن السياسات الخاطئة كذلك قيام بنك السودان بشراء الذهب وتصديره.
وفي فترة استغلال بترول الجنوب، وهي من 1999م إلى 2011م، كان الإيراد يغطي الميزانية الخارجية، ثم صارت بعد ذلك الميزانية الخارجية معجزة بما لا يقل عن 6 مليار دولار، فلجأ النظام لشراء العملة الصعبة من السوق الموازي (الأسود).
السودانيون بلا حدود (المهجريون) يكسبون ما لا يقل عن 12 مليار دولار سنوياً، ولكنهم بسبب فرق سعر العملة يستخدمون ما يرسلونه بآليات موازية.
والذهب الذي بدأ استغلاله منذ عام 2010م صار يهرب في الغالب ليحصل المهربون أسعار بورصة الذهب العالمية في الخارج.
يضاف لهذا الموقف أن النظام المباد اتبع سياسات وضعته في قائمة رعاية الإرهاب الأمريكية، وفرضة عليه عقوبات أمريكية ثم أوربية وأممية، ما جعله مقاطعاً من المؤسسات الدولية العالمية. وموقف النظام السلبي من المحكمة الجنائية الدولية حرمته من الانتفاع ببرنامج إعفاء الديون الخارجية للبلدان الفقيرة (HIPCS).
تطبيق النموذج
هذا يبدأ بعقد مؤتمر اقتصادي قومي:
1) يناقش ويقر الموجهات العامة والمبادئ الستة عشر الواردة في هذا النموذج.
2) يقر موجهات خطة إسعافية عاجلة.
3) يضع موجهات خطة تنموية ذات ثلاث فترات: فترة أولى مداها عام مهمتها القضاء على عيوب الاقتصاد الكلي الموروث من العهد البائد، وأولى أولوياتها فك الضائقة المعيشية للمواطنين وتحقيق الأمن الغذائي. ثم فترة للمدى المتوسط مهمتها التمهيد لتطبيق البرنامج التنموي وفترتها ثلاث سنوات، تعقبها الفترة طويلة المدى وطولها خمس سنوات لتطبيق البرنامج التنموي في فترته الخماسية الأولى التي تعقبها فترة خماسية ثانية في الطريق إلى البناء الاقتصادي المنشود.
4) يتخذ المؤتمر الاقتصادي القومي القرارات بشأن التخطيط الاقتصادي، ويكون المجلس الاستراتيجي الأعلى للتنمية الشاملة العادلة.
5) يتفق في المؤتمر على أهداف السنة الأولى، والتي تشمل:
أولاً: الإصلاح النقدي بخفض حجم الكتلة النقدية الضخمة التي يملكها المجتمع خارج النظام المصرفي في الغالب. المطلوب حتماً هو اتخاذ الإجراءات اللازمة لخفض الكتلة النقدية لتصير بالحجم المعتمد اقتصادياً، واستعادة الثقة في النظام المصرفي. كما يتطلب تغيير العملة الوطنية لضبط حجم الكتلة النقدية، خاصة ونسبة كبيرة منها بأيدي تعبث بالاقتصاد، إضافة للطباعة غير الرسمية والتزوير.
ثانياً: الإصلاح المالي لزيادة إيرادات الحكومة بمزيد من الضرائب المباشرة التصاعدية بحيث تتحمل الشرائح الأغنى العبء الأكبر، وإدخال مزيد من المنتجين في المظلة الضريبية وصولاً إلى نسبة 15% المطلوبة، وتطوير آليات ضريبة القيمة المضافة رقمياً مع اتخاذ عقوبات رادعة للتهرب، ومراجعة وزيادة الجمارك على غير مدخلات الإنتاج، كل ذلك بالكفاءة الإدارية المطلوبة لتحصيل الإيرادات.
لا يمكن ترشيد الموازنة المالية إذا استمر الصرف عن طريق الدعم السلعي الذي يبلغ حوالي 5 مليار دولار. وهو دعم يستفيد منه كل المشترين بمن فيهم الطبقات المرفهة. والأسوأ أن أسعار السلع المدعومة يستغلها المهربون للبيع في بعض الدول المجاورة. هذه حماقة تتطلب رفع هذا الدعم، واستغلال المبلغ في دعم مباشر للفقراء وتمويل استثمارات تستوعب العطالى. ودعم خدمات اجتماعية كتحقيق مجانية التعليم والصحة وتوجيه نسبة منه لخفض عجز الميزانية.
وفيما يتعلق بميزان المدفوعات الحرص على زيادة الإنتاج لزيادة الصادرات، وقفل باب تهريب الذهب بخروج الحكومة وشركات القوات النظامية من سوق الذهب والاعتماد على موارد القطاع الخاص، وإقامة بورصة داخلية تمنح المنتجين أسعار الذهب الحقيقية. وخفض الاستيراد بوقفه على السلع الضرورية، وقفل باب استيراد الكماليات، والسلع الممكن تصنيعها داخلياً كمعجون الأسنان وكثير من الأدوية والأحذية والملابس، وذلك بتشجيع صغار المستثمرين على ولوج تلك المجالات بداية من العام الأول تخطيطاً وإعداداً للمشروعات. الهدف المنشود هو توحيد سعر الصرف للدولار بالعملة المحلية.
ثالثاً: لقد كان النظام المباد حاضناً لشركات كونت قطاعاً خصوصياً. هذه الشركات ينبغي تصفيتها للبيع للقطاع الخاص، أو تحول لشركات مساهمة عامة تجذب مساهمات المهجريين. كما أن محاسيب النظام المباد قد كونوا لأنفسهم ثروات عقارية وزراعية وصناعية ومالية بوسائل فاسدة. هؤلاء ينبغي أن يطبق عليهم قانون من أين لك هذا؟ ورد الأموال والمنافع المنهوبة للحكومة. وفي هذا الصدد تراجع كل الرخص المعطاة لمؤسسات التعليم الخاص والعام والجامعي، بل كل المؤسسات والشركات استثمارية كانت أم حكومية، لإجازة المستحقة ومساءلة الأخريات.
النظام المصرفي الحالي نظام فيه ممارسات خاطئة كثيرة مثل أن يكون في إدارة بعضها بعض المساهمين فيها، ومنعها من فتح المجال للاقتراض بشبهة أن سعر الفائدة هو الربا المحرم شرعاً. ينبغي أن يراجع النظام المصرفي اعتباراً من البنك المركزي ذاته للتأكد من خلوه من المنتفعين وذيول التمكين، وكفالة استقلاله، مع وضع ضوابط تضمن الشفافية والمساءلة في عمله وفي مراجعة كافة المصارف، وإلزامها بقانون مصرفي جديد، وسحب رخص الذين لا يمتثلون لهذا القانون.
رابعاً: ينبغي توفير كافة المدخلات المطلوبة لإنجاح الموسم الزراعي، كذلك المدخلات المطلوبة لإعادة تشغيل المصانع التي وقف 40% منها من العمل. والعمل على توفير المدخلات لتعمل كل المصانع بكفاءة عالية.
خامساً: ينبغي أن يراجع قانون الاستثمار بهدف تبسيط إجراءات الترخيص، وتسهيل كافة الآليات الجاذبة للمستثمرين الحقيقيين، وإزالة السلطات التقديرية للمسؤولين والتي كانت جزءاً من منظومة التمكين المجحفة.
لقد منحت امتيازات بمئات الآلاف من الأفدنة لجهات داخلية وخارجية وضعت يدها على هذه الأراضي دون استثمار. ومعظم هذه الأراضي تفتقر للبنيات الأساسية من كهرباء وري وطرق وبالتالي ترفع تكلفة الاستثمار. تراجع هذه الامتيازات التي تشجع المضاربة في أراضي السودان ولا تفيد الاستثمار، وتنتهك حقوق السكان الأصليين في كثير من الأحيان. وفي هذا الصدد يمكن الاتفاق مع الجهات ذات الإمكانية والتي تظهر جدية من أصحاب تلك الامتيازات على فترة زمنية لتفعيل استثماراتهم، وبالعدم تنزع الأرض.
سادساً: وينبغي مطالبة الولايات المتحدة بشطب اسم السودان من رعاية الإرهاب، ورفع العقوبات، فلا يمكن أن يعاقب الشعب السوداني على أخطاء جلاديه.
نقدر أن ضحايا الإرهاب يستحقون تعويضات يمكن دفعها من الأموال التي دفعتها بعض البنوك غرامة على تعاملها مع النظام السوداني وهي كبيرة. أو مما يمكن استرداده من الأموال التي نهبها سدنة النظام المباد. ولكن قطعاً لا يمكن أن يتحمل الشعب السوداني تكاليف خطايا جلاديه.
وبالنسبة للاتحاد الأوربي فينبغي أن نزيل الحرج في هذا الموضوع بالمصادقة على نظام روما الذي وقع عليه السودان، وهو تطور إيجابي في القانون الجنائي الدولي.
كما ينبغي فتح باب تعاون إقليمي في المجالين العربي والإفريقي خاصة دول حوض النيل. ويكون هناك اهتمام خاص بالتوأمة مع دولة الجنوب تشمل: المرونة في أجرة استخدام المنشآت النفطية مع انخفاض أسعار البترول، المشاركة في الاستثمار البترولي (تطوير، إنتاج، واستكشاف جديد)، والتبادل السلعي بالتوسع في إنتاج السلع المطلوبة في الجنوب، وفتح أفرع للمصارف هناك لتسهيل التبادل.
سابعاً: السودان بلا حدود: ينبغي التخطيط لمساهمة سودان المهجر، وإشراكه في الخطة الإسعافية، وتحديد الشراكات الخارجية الأجدى، ومن ثم المشاركة الواسعة في رسم السياسة التنموية للبلاد وفي تمويلها.
إن قياس نجاح الفترة الانتقالية اقتصادياً في العام الأول يعتمد على تحقيق الإنجاز في هذه المجالات السبعة.
المجلس الاستراتيجي الأعلى للتنمية الشاملة العادلة
يتكون المجلس الاستراتيجي الأعلى للتنمية الشاملة العادلة لتنفيذ موجهات المؤتمر الاقتصادي ووضع تفاصيل خطة الثلاث سنوات، كالتالي:
خطة الثلاث سنوات
ينبغي أن يصدر المجلس دليلاً استثمارياً للسودان يوضح موارد البلاد في المجالات العشرة الآتية:
1) المجال الزراعي والغابي والحيواني، والذي يملك السودان فيه إمكانات هائلة. تذكر تفاصيل الإمكانات المتاحة لتطوير هذه الموارد من حيث إنتاج الخامات والقيمة المضافة المطلوبة للاستهلاك الداخلي والتصدير. أراضي السودان الصالحة للزراعة تبلغ 120 مليون فدان صالحة لزراعة المحاصيل النقدية والغذائية والعلف. هذا هو الذهب الأخضر. يجب أولاً التركيز على زيادة الإنتاجية قبل التوسع في المساحة المزروعة، بما يحقق طفرة إنتاجية ويقضي على فقر المزارعين. وفي السودان ثروة حيوانية تبلغ 130 مليون رأس صالحة لاستغلال تنموي، هذا هو الذهب الأحمر. والشعب السوداني رغم التنوع الثقافي والإثني يتصف بإنسانيات عددناها في مجالها، هذا هو الذهب الناعم. تشرع التسهيلات المطلوبة للإنتاج والاستثمار لإنتاج الخامات، وللقيمة المضافة تحويلاً وتصنيعاً.
2) الصناعة: ينبغي أن تتطور لاستخدام خامات الإنتاج الزراعي، ولتوفير السلع المطلوبة للاستهلاك الداخلي، وللتصدير، مع التركيز على الصناعات التي يتميز السودان بجودة خاماتها خاصة المنتجات الغابية والحيوانية. ههنا ينبغي إبرام اتفاق مع دول صناعية لنقل مصانعها للسودان، على أن تمنح امتيازات تشدها لهذا الاتفاق. هذه الشراكات تتطلب سياسة خارجية متوازنة تعمل على جذب صيغ التعاقد المقترحة في الصناعة، وغيرها من المجالات الاستثمارية التي تتيحها موارد السودان المتنوعة.
3) التعدين: يملك السودان موارد ضخمة للتعدين خلاصتها: معادن نفيسة، معادن الأساس، معادن حديدية، معادن مشعة، معادن صناعية ومعادن زراعية. هذه المعادن فصلناها في دراستنا عن البيئة. استغلال هذه المعادن يحتاج لتكنلوجيا متقدمة ورأس مال. كنا قد اتفقنا مع اليابان وهي فقيرة من ناحية المعادن أن ترسل بعثة فنية لدراسة موارد السودان، والإقدام على استخراجها بموجب شراكة استراتيجية بيننا. وكان موعد حضور البعثة ديسمبر 1989م، ولكن قبل ذلك وقع الانقلاب المشؤوم الذي قطع الطريق.
هذا الاتفاق ينبغي أن يعرض لمن يقدم شروطاً أفضل لا سيما الصين واليابان.
ورمال السودان تتصف بجودة عليا حيث تتجاوز نسبة السيليكون فيها 90%، وينبغي مراجعة اتفاقيات تصدير الرمال المبرمة، والسعي لتطوير صناعات السيليكون محلياً.
4) الطاقة: يستطيع السودان إنتاج طاقة كبيرة ونظيفة عن طريق استغلال الطاقة الشمسية، وإنتاج الطاقة من الرياح، وإنتاج الاثنول من العنكوليب للاستهلاك الداخلي أو للتصدير. فالبرازيل تصدر ما قيمته 34 بليون يورو من الاثنول المعصور من قصب السكر. ههنا المجال متاح لشراكات استراتيجية.
5) البنية التحتية: حاجة السودان لمشروعات البنى التحتية كبيرة: مطارات وموانيئ، وطرق سريعة، وكباري، وصرف صحي في المدن، وهي قابلة للاستثمار على نظام شيد وأدر وحول (BOT).
6) النقل: في هذا المجال ينبغي إعادة تعمير السكة حديد لرفعها إلى أعلى كفاءة، وإحياء النقل النهري والنقل البحري والجوي، وهي كذلك مشروعات قابلة للاستثمار المشترك. وعلى سبيل المثال فإن الاستثمار في ميناء بورتسودان يمكن أن يخدم دول الجوار الحبيسة (أثيوبيا، جنوب السودان، تشاد، أفريقيا الوسطى) بما يجلب عملة صعبة تخفف العجز في ميزان المدفوعات. كذلك فإن بناء مطار حديث في الخرطوم يجعلها محطة “ترانزيت” مناسبة لرحلات عالمية عديدة.
7) المواصلات: هذه تتطلب توفير وسائل المواصلات البرية والنهرية والجوية، ويمكن بالتسهيلات المناسبة أن يعمل فيها القطاع الخاص.
8) المياه: بلادنا عطشى في عدد من أقاليمها مع أننا نافورة مياه:
النيل: ومهما كان نصيب السودان من مياه النيل فإنه سوف يكون أكبر مما نستخدمه حالياً.
الأنهار الموسمية: كالقاش، وخور ابحبل، وهذه يمكن بإصلاحات معينة أن تصير مستدامة.
البحيرات العذبة: هذه لا تقل عدداً في السودان عن 20 كاب زبد، وتردة الرهد، ورشاد، وغيرها، ويمكن أن تحمل ماء أكثر عن طريق حصاد المياه.
المياه السطحية: تمطر على السودان في كل إقليمه مياه لا تقل عن 1000 بليون متر مكعب.
المياه الجوفية: بالبلاد خمسة أحواض مياه جوفية: النوبي وهو مشترك بين السودان ومصر وليبيا وتشاد، وأحواض: الخرطوم، الجزيرة، المجلد، شمال دارفور، وجملة هذه الأحواض لا تقل عن ألف بليون متر مكعب.
المطلوب تكوين إدارة قومية للمياه والانتفاع بها تنموياً وبشرياً.
9) الخدمات الاجتماعية التعليمية والصحية، وهذه تتطلب إصلاحاً أساسياً لبسط خدماتها للناس في برنامج رعاية اجتماعية، ولنشر المعرفة ولتسكين التكنلوجيا، وتوفير العنصر البشري اللازم للتنمية ولإزالة ظاهرة التهميش.
10) البيئة: السافنا السودانية عبارة عن صيدلية بما في أشجارها التي لا تتطلب مياه غزيرة: التبلدي، الهشاب، الطلح، القرض، القضيم، الكركدي، وهلم جرا. المطلوب قرار بتشجير وتخضير السودان وهذا فيه ما فيه من دحر الزحف الصحراوي، ومن المساهمة في امتصاص ثاني أكسيد الكربون: أهم الغازات الدفيئة. الأسرة الدولية، لا سيما في مؤتمر كوبنهاجن، ومؤتمر باريس، قررت ضرورة تعويض الدول الفقيرة المتأثرة بالاحترار الذي تسببه البلاد الصناعية. ما يمكن الحصول عليه في هذا المجال ينبغي أن يوجه لإنتاج الطاقة النظيفة ولتخضير البلاد.
11) السياحة والفنون الشعبية: بالسودان كثير من الآثار التاريخية المهمة والمواقع السياحية التي تحتاج لتطويرها كموارد سياحية.
12) التعداد السكاني: ينبغي إجراء تعداد سكاني موسع لرصد مستويات الدخل والتعليم والمهن والتشريح الاجتماعي، ليكون أداة فاعلة للتخطيط التنموي وتحقيق دولة الرعاية، إضافة لاستخدامه في التخطيط للانتخابات وغيرها.
إذا أقر المجلس الاقتصادي الاستراتيجي هذه الخطة فإن عليه أن يكون إثنى عشر مجلساً متخصصاً كل في مجاله من البنود العشرة.
3) النظم الجديدة
1- النظام السياسي الجديد المطلوب لتحقيق الاستقرار هو نظام ديمقراطي يستفيد من دروس التجربة الماضية ليقيم ديمقراطية توافقية تحد من غلو الديمقراطية التنافسية المطلقة، ولكن تلتزم بكفالة حقوق الإنسان والمشاركة والمسائلة والشفافية وسيادة حكم القانون. وينبغي تبني النظام الرئاسي الأمريكي أو الفرنسي لإعطاء السلطة التنفيذية قوة مطلوبة للاستقرار، خاصة مع عيوب التجربة البرلمانية السابقة التي ضيعت المصالح في المساومات والمزايدات السياسية.
2- النظام الاقتصادي الجديد هو صنو النظام السياسي. ويلتزم برأسمالية توفر الحرية والتنافس، وتخضع لبرنامج رعاية اجتماعية، أي رأسمالية اجتماعية تكافلية. في إطار هذا النظام تحرص الدولة على أمرين: دولة الرعاية الاجتماعية، والشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص. والقطاع النقابي تكون عناصره شريكة مع قوى الإنتاج الأخرى.
3- المشروعات المطروحة للحكم في المنطقة: مشروع مدني أخواني مؤسس على اجتهاد خاطئ لقوله تعالى: (إِنِ الْحُكْم إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) . قال الطبري: (يقول: وهو الذي أمر ألا تعبدوا أنتـم وجميع خـلقه إلا الله الذي له الألوهة والعبـادة خالصة دون كلّ ما سواه من الأشياء) . أي أن لله العبودية والألوهية، فهي لا تعني الحكم بالمعنى السياسي الذي أدى لفكرة الحاكمية إذ تتعلق بولاية الأمر. هذا الفهم الخاطئ غذته ظروف تأزم في الهند وفي مصر أدت لرؤية المودودي وسيد قطب وهي أساس التطلع الأخواني حالياً. ومهما كانت ظروفه فإنه في السودان أخفق تماماً ولم يعد إحياؤه ممكناً.
الخيار الآخر للحكم المستقر في المنطقة هو الخيار العسكري. هذا كذلك قضت على جدواه التجارب السودانية.
استقرار الحكم في السودان يتطلب نظاماً ديمقراطياً مجدياً، وإلا فالمصير إلى الفوضى.
الفوضى أو عجز الدولة الوطنية في المنطقة تهيء المجال للغلاة وأساليبهم الجهادوية.
محاولة احتواء هؤلاء بروافع أجنبية غير مجدية، وهم يستمدون تجنيدهم من عوامل حقيقية هي: فكر ديني معلب من الماضي خالٍ من التدبر، نظم حكم طاغية وعازلة، حرمان اقتصادي وتغريب للثروة، استلاب ثقافي، رفض للتبعية للخارج، وغلو الاغتصاب الصهيوني.
ينافس هذا الغلو لملء فراغ الدولة الوطنية العاجزة تطلعات ثورية شبابية متفقة على هدم الظلم، ولكن بلا برامج وقيادة مجدية.
إما أن تنجح التجربة السودانية أو يفتح باب الفوضى.
السودان حتى بعد انفصال الجنوب يجسد إفريقيا مصغرة، وللفوضى فيه قابلية للانتشار.
لذلك لأشقائنا في العالم العربي وفي أفريقيا مصلحة في استقرار السودان ومصلحة مشتركة تنموية.
التنمية المقترحة هنا مجدية اقتصادياً بأية دراسة جدوى حقيقية، ولكن لا يتوافر لها التمويل من مدخرات وطنية. فمن أين يأتي التمويل؟
أقول: استقرار السودان مهم لا لشعبه وحده، ولكن لكل إقليمه بل للعالم.
ينبغي بث هذه الرؤى عربياً وأفريقياً ما يمهد لدعوة لمؤتمر عاجل للممولين في الصناديق السيادية العربية ومنظمات القطاع الخاص العربية والأفريقية لتلبية الدعوة لـ”دافوس” عربي/ أفريقي بشأن تمويل التنمية الاستراتيجية في السودان بما يحقق مصالح اقتصادية لكل الشركاء فيها.
كذلك ينبغي أن تراهن الأسرة الدولية الممثلة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي على استقرار السودان لأن في اضطرابه فرصاً واسعة للغلو والإرهاب والاتجار بالبشر، والهجرة غير القانونية، وغيرها من أسلحة الضرار التي فصلناها في كتاب “تحديات التسعينات”.
وربما كانت الأسرة الدولية الآسيوية في الصين واليابان والهند أكثر استعداداً للدخول في شراكات تنموية مع السودان. لقد أظهرت التجربة الآسيوية البعد القيمي في نموذج الدولة التنموية، ومكنت سياسة النظر شرقاً، التي طبقت في البلدان الآسيوية، من الاستفادة من قيم العمل في الثقافة اليابانية الرائدة تنموياً.
هذا الموقف يعقده أمران:
الأول: الثورة الصناعية الرابعة وما تحمل من تكنلوجيا جديدة تقوم على الذكاء الاصطناعي، والإنسان الروبوتي، واستخدام البيوتكنولوجي، والنانوتكنولوجي. عوامل ينبغي أن ندرسها لنعرف ما يمكن أن يحقق لنا من فوائد في ظلها.
والأمر الثاني هو آثار كورونا التي ستؤدي حتماً لكساد عالمي، ولكن من الواضح أن الدول المستهدفة سوف تتأثر بهذا الكساد بدرجات متفاوتة. ومن آثار كورونا المدمرة نقص كبير في إنتاج الأغذية، ما سوف يؤدي لمجاعة قدر حجمها بما يقرب من بليون شخص على مستوى العالم، خاصة في أفريقيا وآسيا. هنالك موسمان قادمان في السودان: موسم الخريف وله محاصيله، وموسم الشتاء وله محاصيله. ينبغي أن تخصص أكبر أرض زراعية في السودان، وأن نناشد الأشقاء في الخليج وقف الحروب في اليمن وفي ليبيا، والمصالحة بينهم لتكوين اتحاد الصناديق السيادية لتمويل أكبر مساحة لزراعة المحاصيل الغذائية في السودان، على أن تتكفل الفاو (FAO) بتقديم العون الفني؛ هذا لاحتواء آثار مجاعة الكورونا المتوقعة.
أحد العوامل المهمة لإنجاح النموذج، خاصة على المستوى العربي، الدور الذي يمكن أن يلعبه السودان في سد فجوة الأمن الغذائي، ولذلك فإن أمامه فرصة تاريخية للنهوض إذا أحسن اغتنام السانحة بتبني نموذج اقتصادي تنموي فعال، مستفيداً من عبر تعثر التجربة السابقة، ومن الدفعة المعنوية التي فجرتها ثورة ديسمبر المجيدة في شعبه، والنوايا الحسنة التي جذبتها إليه في الإقليم وفي العالم.
على أية حال، علينا أن نراهن على التحول الديمقراطي التوافقي، المقترن بنظام رأسمالي اجتماعي تكافلي يحقق دولة الرعاية الاجتماعية. هذا المشروع يطرح على الرأي العام السوداني كثمرة مشروعة لثورتنا العابرة لمرحلة تاريخية جديدة. ولكن (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) .
هذا المشروع يستوجب أن تؤمن به وتلتزم به إرادة وطنية مصممة:
إذَا التَفَّ حَوْلَ الحقِّ قَوْمٌ فَإنّهُ يُصَرِّمُ أحْدَاثُ الزَّمانِ وَيُبْرِمُ