بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة التي ألقاها الإمام الصادق المهدي
بمسجد الهجرة بودنوباوي
الجمعة 12 صفر 1441هـ الموافق 11 أكتوبر 2019م
الحمد لله الوالي الكريم، والصلاة والسلام على الحبيب محمد وآله وصحبه مع التسليم، أما بعد-
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز
غبتُ عنكم أسبوعين في زيارة عمل لمصر ودولة الإمارات، سوف أحدثكم عن إيجابياتها في مجال آخر.
الإحياء الإسلامي مشروع مستقبلي لا ماضوي. ومهمة الداعية أن يدرك الواجب اجتهاداً ويحيط بالواقع إلماماً ويزاوج بينهما.
وقال إمام الهدى: لا تعرضوا لي بنصوصكم ولا بعلومكم على المتقدمين، إنما لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال.
أحبابي
إنها المرة الأولى بعد تحرير الوطن من الاحتلال الفاشستي الداخلي أخاطبكم فيها. هنيئاً لشعبنا العبور التاريخي، فانفتح الباب لاستعادة حقوقه.
إن الله قد خص الإنسان بثلاثة مواهب: نفخ فيه من روحه فجعله أهلاً للروحانيات، ووهبه العقل فجعله أهلاً للعقلانيات، ومنحه الحرية ما جعله مختاراً. إن تجريد الإنسان من هذه النعم كما تفعل النظم الدكتاتورية عدوان على حقوق الإنسان وعلى إرادة الديان.
لقد قادني اجتهادي لاجتهاد حول تذكرتنا الفكرية لمستقبل البلاد قلت عنها التأصيل التقدمي. التأصيل يعني الانتماء الإسلامي، والعربي، والإفريقي، والوطني، والإخاء الإنساني.
التقدمي يعني بيان استحقاقات تلك الانتماءات بصورة اجتهادية تراعي ظروف الزمان والمكان والحال، محررة من العصبية ومن الرجعية.
في هذا الصدد أقول عن الانتماء الإسلامي إنه يعني الاتباع في ممارسة الشعائر، والاجتهاد في مجال المعاملات والعادات بما يلائم المستجدات، وما يلبي نداءات العصر الثلاثة: نداء المهتدين لتحرير أهل القبلة من فتنة التمزق وتلبية شروط الوفاق بينهم، ونداء الإيمانيين للتعايش السلمي بين الأديان، ونداء الحضارات لاستصحاب منظومة حقوق الإنسان وتكريس الإخاء الإنساني.
هذا الفهم الاجتهادي للإسلام يوجب مراجعات أساسية:
- لمقولات السلفية وهي صائبة في أمر الشعائر ولكن المعاملات توجب فهماً حركياً.
- مراجعة للمقولات التي تنطلق من فهم ثيوقراطي لولاية الأمر والإيمان ببشرية ولاية الأمر مشاركة، ومساءلة، وشفافية، وسيادة لحكم القانون، كما ورد بالنص في بيعة الخليفة الأول رضي الله عنه.
- وإيجاب فهم للصوفية يقر بالعلاقة الروحية والتربوية بين الشيخ والحوار بلا وساطة بين المريد وربه، وبلا مقولات وحدة الوجود أو الفناء في الذات الإلهية.
- ومراجعة لمفهوم المهدية توجب التخلي عن شخصنة لغائب يعود بعد قرون (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ) . ، والتخلي عن توقيت آخر الزمان ففي آخر الزمان قال تعالى: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ) . المهدية هي وظيفة إحياء الدين كما جاء في كثير من الآيات: (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ) ، والوصال الروحي مع البشر وارد في البشائر والمحدثين وقوله: (وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ)
- الانتماء العربي حقيقي، والفهم الصحوي له أنه ثقافيي وليس عرقياً كما قال نبي الرحمة: “مَنْ تَكَلَّمَ العرَبِيّةَ فهوَ عرَبِيٌّ”. وأغلبية العرب مستعربة. هذا الفهم الصحوي يتعايش حتماً مع الثقافات الأخرى ويقبل حقوق أصحابها فالتنوع الثقافي من طبع البشر: ( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) .
- أما الأفريقانية فهي انتماء جهوي للقارة بلا معنى إثني كما توهم بعضهم.
- الوطنية حقيقة أثمرتها تجارب تاريخية ومصالح موضوعية تتطلب ولاء ينبغي أن يخلو من العصبية، ليسمح بتكوين وحدات أكبر اختيارية لتنظيم مصالح مشتركة وتكوين نظام عالمي: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) .
هذا الفهم للتأصيل والانتماء مختلف من الفهم الرجعي المنكفيء، ويعبر عن ممارسة الإنسان لمواهبه الروحية والعقلية والاختيارية. إنها تأصيل تقدمي.
قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ). وقال نبي الرحمة: «مَنْ سَنَّ فِي الإسلام سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِها بعْدَهُ كُتِب لَه مثْلُ أَجْر من عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، ومَنْ سَنَّ فِي الإسلام سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وزر من عَمِلَ بِهَا ولا يَنْقُصُ من أَوْزَارهِمْ شَيْءٌ»
أيها الأحباب: استغفروا الله فإنه خير الدعاء.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، أما بعد-
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز
سواء بفريسة المؤمن أو بقراءة العقل للمستقبل، فقد قلنا في عام 1990م مقولات نشرت أمرين:
- الديمقراطية راجحة وعائدة.
- إن سقوط حائط برلين يأذن بانتقال التوتر من معسكري الشرق والغرب إلى شمال العالم وجنوبه. وإن عوامل ذكرناها سوف تؤدي حتماً لانتشار الغلو والإرهاب المصاحب له، وللهجرات غير القانونية نحو دول الشمال، ولتسيب حركة السلاح والأوبئة، والانفجار السكاني، وقد كان.
ورغم سخافات المرجفين صمدنا في وجه النظام الفاشستي حتى آخر لحظة، وانتهى النظام وهو مسجل علينا عشرة بلاغات عقوبة بعضها الإعدام. ورغم كيد النظام وملاحقتنا بالوعيد والوعد لم نتزحزح، واحتضنا الانتفاضات السبع ضده.
وبعد إبعاد الطاغية ساهمنا في الإجراءات التي أدت لقيام النظام الانتقالي، واحتوينا كافة التصعيدات العشوائية حتى قام النظام الانتقالي.
لقد عبرنا عن تحفظات على النظام الانتقالي بسبب تصرفات خاطئة، ولكننا أكدنا دعمنا للنظام الانتقالي ليمضي حتى نهاية الفترة الانتقالية.
والآن بعد هذه الأسابيع من قيام النظام الانتقالي ماذا نقول؟
النظام الانتقالي سوف يواجه خمسة تحديات جسيمة، هي: - عثرات موضوعية بسبب الحالة الاقتصادية.
- عثرات غير موضوعية بسبب مناورات السلام.
- تدخلات خارجية انتهازية.
- مؤامرات السدنة بهدف الردة السياسية.
- اختلالات داخل قوى التغيير.
أحبابي
هنالك أهداف عليا سوف نعمل على تحقيقها. إنها بيان التقدمية المؤصلة:
1) إنجاح النظام الانتقالي، وفي سبيل ذلك قدمنا مصفوفة عبارة عن تحليل لكل المسائل التي تواجه النظام، وهي بشهادة كثيرين أفضل ما قدمته القوى السياسية.
2) نحضر لنظام سياسي ديمقراطي كامل الدسم.
3) نؤكد أن الديمقراطية السياسية يجب أن تصحبها ديمقراطية اقتصادية اجتماعية وإلا تعثرت.
4) العمل لجعل العلاقات الإقليمية بعيدة عن المحورية، والحرص على مشروع مارشال يشتركون فيه للتنمية في السودان.
5) العمل من أجل إنهاء تصنيف السودان راعياً للإرهاب، وإعفاء الدين الخارجي، وضم السودان للمحكمة الجنائية الدولية، والعمل لاستجابة الأسرة الدولية لمؤتمر دافوس للمساهمة في برنامج استثماري استثنائي.
6) العمل على انتشال مشروع السلام من المناورات. أثناء الحكم الديمقراطي خططنا لمؤتمر قومي دستوري في 18/9/1989م أجهضه الانقلابيون. كان هذا المؤتمر سوف يبرم اتفاق سلام عادل شامل ينص عليه في الدستور المنشود. والآن يمكن احتواء المناورات باعتبار السلام جزءاً من الدستور الدائم، واعتبار أية مفاوضات سلام روافد للمؤتمر القومي الدستوري.
7) لكي نواجه تحديات المرحلة فإننا شرعنا في نفير استثنائي لحزبنا منذ 2/9.
8) ولمواجهة الظروف الجديدة اقترحنا نقل موقف نداء السودان لعقد بناء الوطن، تصحبه مراجعة لهيكل النداء تناسب الظروف الجديدة. هذا ما طرحناه في اجتماع العين السخنة.
9) ولكي تتمكن قوى إعلان الحرية والتغيير من القيام بالواجبات الجديدة اقترحنا تطوير الإعلان إلى ميثاق، والهيكل من تحالف إلى جبهة بدستور ولوائح ملزمة، ومجلس قيادي مرجعي.
10) لقد تأخر تقديم برنامج للنظام الجديد. لم يتفق على المصفوفة التي قدمناها، وقدمت لجنة من الحرية والتغيير مشروع برنامج انتقالي إسعافي. هذا المشروع، برغم المعلومات الجيدة في بعض محاوره، ضعيف ودون المصفوفة التي قدمناها. غداً السبت سوف تعقد ورشة لمراجعة مشروع البرنامج. كون مجلس التنسيق لحزب الأمة لجنة للمساهمة في إصدار برنامج أفضل.
ندرك أن المناورات حول السلام، ومؤامرات السدنة والتدخلات الخارجية الانتهازية، والصعوبات الموضوعية قد تدخل النظام الانتقالي في طريق مسدود.
ذهنية بعض الفئات المؤدلجة بلا سند شعبي حقيقي، وذهنية بعض السدنة سوف تستغل الانسداد إذا حدث للتآمر الانقلابي.
إن الشعب السوداني بعد التجارب الظالمة الفاشلة مصفح ضد الدكتاتورية، بل تجربة النظام المباد سوف تكون مرجعية لما قد يفعل التيار الإسلاموي إذا انفرد بالسلطة تشويهاً للإسلام، وتدميراً للوطن، ولكن قال تعالى عن أمثال هؤلاء: (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) .
أما نحن وحلفاء الخير فسوف نواجه الانسداد إذا وقع بالعمل من أجل الاحتكام للشعب عبر الانتخابات العامة الحرة. ومعنا لطف العناية ووعي الشعب، ومنظومة حقوق الإنسان الدولية: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) .
أحبابي
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.