بلغني من أبنائي وبناتي وحفدتي المشاركين في هبة الخميس 17/1/2019م في العاصمة الخرطوم أن د. بابكر عبد الحميد سلامة قتل برصاصة في الرأس وأخرى متشظية في الظهر، وقيل إنه كان متطوعاً لعلاج الجرحى أثناء الموكب. وبلغني كذلك أن الشهيد معاوية بشير خليل وهو من أهالي بري، لاذ ببيته بعض المتظاهرين والمتظاهرات في موكب أمس حينما صبت عليهم قوى القمع وابلاً من البمبان والرصاص الحي والمطاطي وكان الباطشون يلاحقونهم، فأمنهم في داره وأغلق خلفهم باب منزله رافضاً تسليمهم فما كان من ملاحقيهم إلا أن صوبوا الرصاص الحي على الباب الذي كان أوصده للتو فأصابته طلقتان وتوفي جراء إصابته صباح اليوم. هذان شهيدان ضمن هذه الثورة المباركة وقد فاق عدد الشهداء الأربعين منذ تفجرها في 19 ديسمبر وحتى الآن في مختلف أنحاء السودان. وقصتاهما تحكي أولاها بطشاً بطبيب معالج والقانون الدولي الإنساني يحرم التعرض للعاملين في معالجة الجرحى حتى في الحروب ناهيك عن المظاهرات، أما القصة الثانية فتحكي قتل مواطن آمن داخل منزله.
لم يكن هؤلاء المتظاهرون يحملون سلاحاً، بل كان هتافهم المدوي: سلمية، سلمية.
لقد تعرض مواطنون عزل لإصابات من بمبان ورصاص مطاطي ورصاص حي، وبمقاييس شرعية، ودستورية، بل وإنسانية دولية هم يمارسون حقوقهم، بل يؤدون واجباً لأن الساكت عن كلمة الحق شيطان أخرس كما في الأثر، وقال نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام: “أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِر”[1]، والآية الكريمة تشجب الخنوع للذل: (إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ)[2].
إن الذين أمروا هؤلاء الوحوش والذين نفذوا هذه الأوامر آثمون لا بد من عقابهم مهما طال الزمن.
هؤلاء استمرأوا سفك دماء الأبرياء، وما يقال عن تحقيق بلا مصداقية، لأنه تحقيق الخصم والحكم، ولا صدقية لتحقيق إلا على يد اللجنة الفنية التابعة للأمم المتحدة لتجري تحقيقاً في كل هذه الممارسات الباطشة لمعرفة الحقائق ومساءلة الجناة.
علمت أن الشهيد بابكر عمره 25 عاماً وهو وحيد أبويه وله أربع أخوات وهو خريج جامعة الرباط. كما علمت أن الشهيد معاوية يبلغ من العمر 60 عاماً وله ثلاثة أبناء وثلاث بنات وهو يكدح ليعولهم، تقبلهما الله مع الذين أنعم عليهم من الصالحين، وسوف يسجل اسماهما في تاريخ الوطن شهيدان للثورة مع من سبقوهما في سجل الخلود من شهداء القضارف وعطبرة وكريمة والجزيرة أبا، وبربر والعبيدية والخرطوم من مختلف أرجائها، جنباً إلى جنب مع الأيقونة الشهيد أحمد قرشي طه.
أحسن الله عزاء أسرهم الخاصة وأسرتهم العامة كافة أحرار الوطن الجريح. (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).1
الصادق المهدي
آخر رئيس وزراء شرعي
رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار
رئيس المنتدى العالمي للوسطية.