بسم الله الرحمن الرحيم
المجلس العربي للمياه
المنتدى العربي الرابع للمياه
الشراكة في المياه شراكة في المصير
الإمام الصادق المهدي
26/11/2017م
أخي الرئيس
أخواني وأخواتي الحضور
السلام عليكم ورحمة الله، وبعد-
لا يمكن أن نتحدث عن المصير العربي من أية زاوية دون أن نذكر أن هذا المصير تهدده الآن عوامل كثيرة أهمها الحرب التي يشنها التطرف والإرهاب على مجتمعاتنا، كما في آخر وأسوأ حلقاته في مسجد الروضة بشمال سيناء، رحم الله ضحاياه، وأحسن عزاء ذويهم؛ والحروب داخل أقطارنا، وفيما بينها، التي تؤججها حواضن طائفية ودولية، وتوشك أن تشعل حرباً إقليمية واسعة، أو دولية لا تبقي ولا تذر. وحالة الفجوة الواسعة بين أكثر الحكام وشعوبهم، وحالة الفجوة الاجتماعية بين الطبقات، والعوامل التي جعلت جامعتنا العربية تعمل كجامعة حكومات لا دول، والظروف التي أدت لاندلاع الحرب الباردة الدولية بصورة جديدة.
ما لم نستطع التصدي لهذه العوامل لاحتوائها بكفاءة عالية فإن المصير العربي الذي نرجو أن يكون مخاضاً لفجر جديد سوف يكون احتضاراً. احتضار يراهن عليه أعداؤنا منذ أن خطط له لورانس العرب ببرنامج “فرق تسد”، ثم نظر له برنارد لويس، وكل الدلائل تشير إلى أن أمتنا بوعي أو بغير وعي إنما تسير في هذا الطريق على نحو ما بكى شاعر عربي:
يكْفِيـكَ أَنَّ عِدَانَـا أَهْـدَرُوا دَمَـنَـا وَنَحْـنُ مِـنْ دَمِنَـا نَحْسُـو وَنَحْتَلِـبُ
ولكن من باب المساهمة في موضوع هذا المنتدى رغم أصوات النذير المزعجة أقول:
أولاً: قبل أي حديث عن الشراكة في أمر المياه العربية، نحن بحاجة ماسة لتكوين البناء القانوني لمياه حوض النيل. اتفاقية 1959م كانت ثنائية بين دولتي المجرى والمصب، ولم تشمل دول المنابع. وهنالك مبادرة حوض النيل المتعثرة، والخلاف حول سد النهضة. لا بد من الاتفاق القانوني في حوض النيل.
ثانياً: المسألة في حوض الرافدين أكثر قتامة لأن دول المنابع تتمسك بأن مياه دجلة والفرات ملكها كما البترول ملك منتجيه، ما يعني الانفراد بولاية الأمر على الرافدين. ههنا حاجة ماسة لتحديد الأساس القانوني لمياه حوض الرافدين.
ثالثاً: هنالك ضرورة لتحديد حجم ومواقع المياه السطحية التي تصب في منطقتنا، وضرورة الحرص على حصادها، فنحن في السودان – مثلاً- نستقبل ما بين 500 إلى الفي مليار متر معكب سنوياً أكثرها يمكن أن يحصد.
رابعاً: وهنالك المياه الجوفية الموجودة في المنطقة، وضرورة معرفة حجمها ومواقعها، ففي السودان أحواض جوفية أهمها الحوض النوبي، والحوض الغربي، والحوض الوسط وفيها في تقديري ما لا يقل عن ألفي مليار متر مكعب، بعضها أحفوري وبعضها متجدد. فما هي الكميات والمواقع على الصعيد العربي؟
خامساً: هنالك حاجة لمعرفة حجم المياه العادمة بصورة علمية كمياه مساهمة في العرض.
سادساً: وهنالك حاجة لتأكيد قيام إدارة موحدة للمياه وإدارة عربية مشتركة للتعاون المائي القومي.
سابعاً: الماء يغطي أكثر من 70% من سطح الأرض، وهو المادة الاكثر وجوداً، ولكنها مالحة ما يتطلب أن نركز كأولوية قصوى على أبحاث استغلال الطاقة الشمسية، وهي بدورها الأكثر وجوداً ولكي نحقق قفزة تكنولوجية في هذا المجال تقضي على ندرة المياه العذبة.
ثامناً: وعلينا وضع دليل واضح، والالتزام بموجباته لترشيد الطلب للمياه في مجالات: التحول من الري الزراعي بالغمر للوسائل الحديثة، ضبط الطلب للمياه العذبة عن طريق التسعير الممكن، ووضع دليل ملزم لضبط استخدام المياه في كل المجالات، والاتفاق على توجيه في أمر الانفجار السكاني.
تاسعاً: ومهما نحقق من نجاح عربي فإننا جميعاً ضحايا الاحتباس الحراري الذي ستكون له آثار سلبية بلا حدود علينا أن نحدد ماهي تلك الآثار؟ وأن نعمل على تنفيذ الأسرة الدولية لتعويض ضحايا الاحتباس الحراري الذي قدره مؤتمر باريس بمبلغ مائة بليون دولار؟ علينا العمل لتنفيذ هذا الالتزام، وتحديد نصيب منطقتنا منه، والاتفاق على أولويات صرفة. صحيح الرئيس الأمريكي متحفظ على معاهدة باريس ولكن المؤسسات الأمريكية والولايات لها رأي آخر.
عاشراً: يستطيع الفنيون دراسة هذه القضايا والاتفاق على متطلباتها، ولكن هنالك فجوة واسعة بين عشيرة المهنيين وعشيرة صناع القرار.
ردم هذه الفجوة واجب وطني وقومي وإلا ألمت بنا مأساة العجز الذي يلحق بالدراسة بلا تنفيذ أو تخبط التنفيذ بلا دراسة.
ولكن لكي لا نقع في خطيئة المثل: “تبني قصرا وتهدم مصراً” فإن على الإرادة العربية المشتركة والحلقات المتصلة بها الإسلامية، والأقريقية، بل والدولية أن تعطي أولوية لتشخيص وباء الغلو والإرهاب، وخطر الحروب المحدقة بالمنطقة، والعمل على تحقيق ما يمليه ذلك التشخيص لكي نجعل من حالة النذير بالاحتضار حالة بشير بفجر جديد.
امامك فانظرْ أيّ نهجْيك تنهجُ طريقان شتى مستقيم واعوجُ
والسلام عليكم ورحمة الله.