بسم الله الرحمن الرحيم
جمعية الشؤون الدولية بالتعاون مع المنتدى العالمى للوسطية
الاردن. عمان
مستقبل العالم العربي: الأزمات والحلول
الإمام الصادق المهدي
7/8/2018م
مقدمة: الحالة الراهنة في عالمنا العربي غير مجدية، بل هي حالة احتضار تصنع حتماً ثلاثة احتمالات للخروج منها: تطلع ثوري لمستقبل لا وفاء له، وتطلع ثوري لماضي لا مستقبل له، وثورة ناعمة لمستقبل له وفاء.
العالم العربي الضحية:
لا توجد منطقة في العالم عبثت بها وبمصالحها الهيمنة الدولية مثل العالم العربي والدليل:
في كتابه عن سياسة أمريكا في الشرق الأوسط بعنوان: القوة والعقيدة والخيال” قال مايكل أورن: لا توجد في مجال الهندسة الاجتماعية العالمية عمل أكثر استفزازاً من تأييد أمريكا لقيام دولة يهودية في عالم عربي شديد العداء لها.
وقال الأستاذان جون مير شايمر ووالت استيفن في كتابهما بعنوان “اللوبي الإسرائيلي”: على امتداد عقود عديدة مضت لا سيما بعد حرب الأيام الستة في يونيو 1967م ظلت السمة المتكررة لسياسات الولايات المتحدة هي علاقتها بإسرائيل. اللوبي الإسرائيلي حقق هذا الانجاز وصاغت نشاطاته المتطرفة التصرفات الأمريكية في الشرق الأوسط.
وقال بول كندي في وول ستريت جورنال (5/10/2001م): لو وضعنا أنفسنا في مكان سكان الشرق الأوسط ووضعناهم في مكاننا وفعلوا بنا ما نفعل بهم الآن فسوف يكره الأمريكيون هذا العملاق الشرق أوسطي الافتراضي وسوف يحاولون إيذاءه.
وقال غراهام فوللر في مجلة السياسة الخارجية عدد يناير/ فبراير 2008م: إذا حذفنا الإسلام من مسار التاريخ، وعومل سكان منطقة الشرق الأوسط كما يعاملون الآن مع عدم وجود إسلام فإن الوضع في المنطقة سوف يؤول إلى ما هو عليه الآن. في غياب الإسلام ومع السكان الافتراضيين غير المسلمين فإن العالم سوف يشهد الخلافات الدامية المستمرة التي لا تزال تغطي حروبها وصراعاتها على الساحة الجيوسياسية. لو لم تتذرع المجموعات الافتراضية غير المسلمة بالدين لوجدت راية أخرى تعبر في ظلها عن هويتها وسعيها للاستقلال.
الهيمنة الدولية لا تسمح في منطقتنا بأية إرادة مستقلة وطنية، أو قومية، أو اشتراكية، أو إسلامية بل تحرص على وجود حكام أوتوقراطيين كما قالت السيدة كونداليسا رايس في القاهرة عام 2005م: إننا زهاء ستين عاماً دعمنا حكام المنطقة الاوتقراطيين. وفي ظل مثل هذه الحكومات يوظفونهم لخدمة مصالحهم كما قال رئيس وزراء قطر السابق: ننفذ فيما يتعلق بحجم إنتاج وتسويق النفط ما يطلبون منا. ووضعت خطة إعادة تدوير إيرادات النفط عن طريق وجوه طلب غير ضرورية مدنية وعسكرية لتغريب ثروة النفط. والحديث عن حقوق الإنسان يستخدم بصورة انتقائية، فحكومتي الديمقراطية (1986-1989م) مع كامل احترام حقوق الإنسان والبرنامج الديمقراطي عوكست لأنها أوقفت برنامج ترحيل الفلاشا، ومنعت التسهيلات العسكرية لأمريكا في البحر الأحمر التي كفلها لهم النظام الأوتوقراطي المباد. وحتى إذا لم يشاركوا في تدبير الانقلاب العسكري الأوتوقراطي في يونيو 1989م، فإنهم رحبوا به وأمروا صنائعهم بمساعدته قبل أن يكتشفوا هويته الحقيقة.
وظاهرة الصحوة الشيعية في المنطقة تعود لمؤثرات وافدة. كانت الولايات المتحدة تعامل إيران باعتبارها شرطي المنطقة. وقال الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر إن إيران هي واحة استقرار في محيط مضطرب. ولكن هذه العلاقة وما صحبها من نهج استلابي وتغريب للثروة كانت من أهم عوامل التعبئة المضادة لنظام الشاه. قال مارك كيرتس في كتابه “مفارقات القوة”: يجهل كثير من الأمريكيين حجم الغضب الإيراني من بريطانيا وأمريكا لما دبروه ضد بلادهم واجهاض حكومة محمد مصدق الوطنية. كان لهذا الغضب الإيراني دوراً في إشعال الثورة الإسلامية. الثورة في إيران، لا سيما صفتها المعادية للإمبريالية، أشعلت الحماسة في كل العالم الإسلامي لا سيما في الأوساط الشيعية. وكان واضحاً أن هذه الثورة تخاطب المسلمين خارج الحدود القطرية ما أدى في النهاية لظاهرة الهلال الشيعي. وهي ظاهرة كذلك متصلة بعمل خارجي فلولا احتلال العراق ما كان التمدد الشيعي فيها. ولولا الغزو الإسرائيلي عام 1982م ما كان حزب الله، وهلم جرا.
تحاول أوساط غربية تحميل الإسلام تبعة التطرف والإرهاب في المنطقة. صحيح توجد نصوص استغلها الغلاة حول الولاء والبراء، وأحاديث مثل ما رواه أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ”. هذا يناقض القرآن إذ (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ) ويناقض الواقع فأين الساعة بعد ألف وخمسمائة عام؟ قال خاقان الصحافة الغربية روبرت ميردوخ: ربما أن أغلب المسلمين مسالمون. ولكن إلى أن يعترفوا بسرطان الجهاديين الذي يتنامى ثم يقوموا بتدميره يجب تحميلهم المسؤولية. ولكن من ينبغي أن يتحمل الوزر الأكبر؟ الغزو السوفيتي لأفغانستان حرك ضده نداء جهاد لتحرير بلاد المسلمين من هذا الغزو. القاعدة تكونت ضمن التلبية لهذا النداء وحظيت بدعم عربي ودعم أكبر توافر لها من الغرب: الدعم المالي، والتدريب، والتسليح حتى صارت آلية قتالية لا مثيل لها وحققت ما حققت في أفغانستان. جنود القاعدة لم يكونوا مرتزقة بل كانت عقيدتهم القتالية التي حظيت بدعم غربي هي تحرير بلاد المسلمين من الاحتلال الأجنبي لذلك رفضوا استنصار دولهم بدول أجنبية ما أدى لمواجهة الولايات المتحدة تطرفاً وعنفاً. إن للولايات المتحدة دوراً مهماً فيما بلغت القاعدة.
الاحتلال الأمريكي للعراق أدى لتطبيق سياسات غيرت التوازن الطائفي فيه. قرر الحاكم الأمريكي المحتل للعراق اجتثاث حزب البعث، وحل القوات المسلحة العراقية، وصار تكوين الحكم الجديد تحت سيطرة عراقيين شيعة مارسوا السلطة وإدارة الأمن بصورة فيها انتقام مما شهده الشيعة على يد حكم البعث المباد. عناصر عراقية ووافدة قاومت الاحتلال الأمريكي للعراق ومن بينها تنظيم القاعدة في أرض الرافدين. هذا التنظيم قرر في 2006م تكوين دولة لأهل السنة في العراق. ولكنها هزمت فتحالف قادتها مع القاعدة في سوريا وكونوا الدولة الإسلامية في العراق وسوريا أي داعش ثم وبعد انضمام فروع كثيرة أعلنوا “خلافة إسلامية”. إذن لولا المشهد الأفغاني والاحتلال العراقي ما كانت القاعدة ولا داعش.
هذه ثمانية عوامل وافدة ساهمت فيما أصاب الأمة من وهن.
ولكن هنالك عوامل ذاتية:
تضافرت عوامل عدة غيبت العقل البرهاني وجعلت الماضي وصياً على الحاضر المستقبل:
العلمُ ما كانَ فيه قال حدثنا وَمَا سِوى ذَاكَ وَسْوَاسُ الشَّيَاطِينِ.
فقه التزم منطقاً فقهياً تقليدياً، ما جعل النقل وصياً على الأحكام:
ومالكٌ وسَائرُ الأئِمَّة وأبو القاسمْ هُداةُ الأمَّة
فواجبٌ تَقليدُ حَبْرٍ مِنهُمُ كَذَا قَضَى القَوْمُ بِقَولٍ يُفْهَمُ
نظم حكم قامت على التغلب باسم الخلافة، وبعد انتهاء الخلافة صار ذكرها مطلب بعيد عن الواقع، وكذلك التطلع الشيعي لإمام غاب منذ 12 قرناً أن يعود، في مجافاة للواقع.
واستبدت بالحكم نظم غيبت المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون ما جعل نظم الحكم غالباً قائمة على التغلب وتمارس احتلالاً داخلياً للشعوب.
وسادت غالباً نظم اقتصاد تحقق نمواً لا تنمية والثروة فيها مغربة غالباً. وتوزيع الثروة قائم على قلة منعمة وأغلبية فقيرة.
والأمة موبوءة بخلافات طائفية عائدة لأحداث تاريخية ولمعتقدات مذهبية موروثة جيلاً عن جيل ومحصنة بالتكفير المبتادل.
شيوع علاقات خارجية سمحت في كثير من الأحيان لقوى الهيمنة الدولية بتحقيق مآربها.
شعور شائع بأن ولاة الأمر في الغالب قد تخلوا عن القضية الفلسطينية. ومنذ عام 2005م يقتل من الفلسطينيين 650 شخصاً سنوياً. ويحبس 4 آلاف سنوياً. وأقامت إسرائيل الجدار العازل وتحاصر غزة وأريحا، وتواصل بطشها بانتفاضة الحرم، وأخيراً شرعت إسرائيل قانون يهودية الدولة الذي يقيم نظام الفصل العنصري ويحول العرب هناك إلى مواطنين من درجة دنيا.
المفكرون والكتاب، والشعراء وهم قرون استشعار لقراءة الواقع الأليم ما برحوا يعبرون عن سخط ومرارة – مثلاً- في بردته يقول تميم الرغوثي:
والحاكمون أعاجيبٌ إذا عَبَرُوا فِي جَنَّةٍ أَصْبَحَتْ مِنْ شؤمهم جَرَدَا
أَنْيَابُهُمْ فِي ذَوِي الأَرْحَامِ نَاشِبَةٌ وَلِلأَعَادِي اْبْتِسَامٌ يُظْهِرُ الدَّرَدَا
وبكاء روضة الحاج:
في ﻛﻞِّ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﺃﺩﻭﺭ ﻣﻦ
ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺎﺀ
ﻋﻦ ﺑﺴﻤﺔٍ ﻟﻠﻨﺼﺮ ﺗﺪﺧﻞ
ﻓﻲ ﺩﻣﻲ
ﻓﺘﻌﻴﺪ ﺗﺠﺪﻳﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ
ﻋﻦ ﻭﺟﻪ ﺟﻨﺪﻱّ
ﻳﺮﻳﺪ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ
ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ
ﻋﻦ ﺻﺮﺧﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔّ
ﺗﺮﺗﺞُّ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻷﺭﺽُ ﺧﺎﺋﻔﺔً
ﻭﺗﺮﺗﻌﺪ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ
ﻋﻦ ﻣﺎﺭﺩٍ ﻣﻦ ﻗﻤﻘﻢ
ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺍﻷُﺑﺎﺓِ
ﻳﺠﻲﺀ ﻳﺼﺮﺥُ ﺑﺎﻟﻨﺪﺍﺀ
ﻋﻦ ﺃﻱِّ ﺷﻲﺀٍ ﻗﺪ ﻳﻌﻴﺪ
ﺗﻮﺍﺯﻧﻲ
ﻟﻜﻨﻨﻲ، ﻣﻦ ﻛﻞِّ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﺃﻋﻮﺩ
ﺑﻜﺮﺑﻼﺀ !!
هذه حالة جعلت كثيراً من المعلقين الأجانب يتحدثون عن أن هذه المنطقة العربية من العالم غير قادرة على إحداث تغيير إيجابي. بل صار كثيرون يتحدثون عن الاستثنائية العربية. ولكن كما قال ابن خلدون: كل ظاهرة في الوجود الطبيعي والاجتماعي خاضعة لقانون تفسيراً لقوله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ).
هناك كما رأينا عوامل ذاتية وخارجية تسببت في هذه الحالة المزرية.
هذا الرفض للواقع يفسر اندفاع الشباب في ثورات الربيع العربي. ثورات يشدها التطلع لغد أفضل ينعم بالكرامة، والحرية، والعدالة، والخبز.
ولكن هذه الثورات مع توافر مبرراتها غابت عنها القيادة المؤهلة لتقديم البديل بعد الإطاحة بالحكم القائم، وغاب عنها البرنامج المستعد لبناء المستقبل، لذلك ومع كل ما حققت من إرضاء بعض التطلعات احتوتها ثورة مضادة إلا قليلاً. ولكن مهما كان من أمر الثورة المضادة فإن الدوافع للربيع العربي ما زالت قائمة، إنها تطلع لثورة تشدها آمال المستقبل.
لا ينبغي الاستهانة بأجندة القاعدة وداعش فهؤلاء مدفوعون كذلك برفض الواقع وتشدهم آمال الماضي كما يصورونه.
النهج الثوري المشدود للمستقبل، والنهج الثوري المشدود للماضي، لهما مبرراتهما، والواقع البائس سوف يوفر لهما أرتالاً من المؤيدين والمجندين، ومع اختلافهما الجوهري في تطلع للمستقبل وتطلع لمحاكاة الماضي فإنهما يرفضان الواقع الراهن ويرفعان شعارات ثورية. ثورات الربيع العربي إذا لم تتوافر القيادة المؤهلة والبرامج البديلة قد تقفز فوق الواقع الاجتماعي. وثورات الانكفاء نحو الماضي سوف تذهب كما دلت التجارب خارج التاريخ.
الخيار الأفضل أي الأوسط هو الذي يحقق أهدافاً ثورية بأسلوب ناعم، أسلوب الحكمة.
كل الدلائل تشير إلى أن الواقع الماثل لم يعد مجدياً ولا يسعف المنطقة إلا نظام جديد يداوي العلل التي كشف عنها التشخيص بالصورة الآتي بيانها:
العامل الأول: مسألة المعرفة: العقل، والتجربة، والوحي، الإلهام؛ هي وسائل المعرفة الإنسانية. القرآن كرر الإشارة للعقل ومشتقاته كالبرهان قال تعالى: (كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). وقوله: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)، والتجربة: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ). العقل والتجربة في مجالهما وسائل لمعرفة الحقيقة الموجودة في سنن الطبيعة، وفي النفس الإنسانية، وفي المسائل الاجتماعية فإن سنن الوجود كاشفة لحقائقها كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ).
الانكفاء الفكري الذي أصاب أمتنا هو الذي عطل معارف العقل والتجربة ما يوجب صحوة فكرية تسد هذا النقص.
ولكن للعقل والتجربة حدود ما يمثل الغيب الذي مفاتحه الوحي والإلهام. علة الفكر العلماني هو أنه ينكر معارف الغيب. علمياً ثابت أن حواس الإنسان وعقله لا يحيطان بكل ما في الوجود، ولا بالأساس غير النفعي للأخلاق، ولا بمقاييس الجماليات الفطرية. هذه المجالات هي ميادين الوحي والإلهام. كان دعاة الأصولية العلمانية يقولون إن العلمانية هي شرط للديمقراطية ولكن وجدوا أن أعتى الدكتاتوريات تمت باسم العلمانية في ألمانيا، وإيطاليا، وأمريكا الجنوبية، وحتى في الإطار العربي فإن العلمانية أقامت نظمها عن طريق الانقلابات العسكرية وقهر الشعوب. لذلك عدل علمانيون مرجعيون مثل بيتر بيرقر وشارلس تيلور مقولتهم ليقولوا إن شرط الديمقراطية هو التعددية، وقالوا في إطار التعددية لا يمكن أن نحرم المنادين بمرجعية دينية من حقهم في التنافس السياسي ما داموا يقبلون حرية العقيدة لغيرهم والمساواة في المواطنة.
منذ الربع الأخير من القرن العشرين ولأسباب الجوع الروحي والعاطفي، وصدوداً من صخب العولمة انتعشت الأصوليات الدينية في كل مكان.
وحتى في الدول ذات الأغلبية الدينية غير الكتابية شهدت تمدداً في الأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية كما حدث في اليابان لصالح حزب كوميتو ذوالصبغة البوذية منذ مطلع التسعينيات، وما حدث في الهند لحزب بهاراتيا جاناتا ذي المرجعية الهندوسية الذي حصل على 31% من الأصوات في انتخابات 2014م.
القول بأن قدرات الإنسان هي العقلية والتجريبية فحسب إفقار للإنسانية. والقول بأن معارف الإنسان نقلية فسحب إفقار آخر للإنسانية.
حاكمية الله في قوله (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ) متعلقة بالحاكمية الكونية (الكوزمولوجية)، ونقلها للمجال السياسي بمعنى الإمرة لله خطأ جسيم، ففي هذا المجال الحاكمية للبشر على نحو ما قال أبو بكر الصديق رض الله عنه: “وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي وَإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُوني”. وما قال عمر رضي الله عنه: “وُلّينا عليكم لنسد جوعتكم ونوفر لكم حرفتكم فإن عجزنا عن ذلك اعتزلناكم”. وهو تفسير قوله تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ). وحتى في غير الإمرة لا يحق لأحد من الناس أن يتحدث باسم الله. بل يقول ما يقوله باجتهاده هو، لأن إدعاء أن لأحد الحق في التحدث باسم الله كهنوت يرفضه الإسلام.
العامل الثاني: الفقه ومفهوم تطبيق الشريعة: بالفهم التقليدي قال قوم إن أئمة الاجتهاد قد استنبطوا الأحكام من النصوص عبر القياس والاجماع. وما على الخلف إلا اتباعهم. أئمة الاجتهاد أنفسهم قدموا اجتهادهم مراعين ظروف الزمان والمكان. وقد غيروها عندما تغيرت تلك الظروف كما فعل الإمام الشافعي. ظروف العصر الحديث لم تخطر على بالهم. ظروف العصر الحديث كالدولة الوطنية، والنظام الدولي الحديث، والعولمة؛ غريبة عليهم. وأحكام الحدود في الإسلام جزء من منظومة ثلاثية: التربية الإيمانية، والإجراءات الوقائية، والعقوبات؛ ولذلك فإن الحديث عنهما دون مراعاة الواقع الجديد يجعل شعار تطبيق الشريعة منافياً للعدالة، وبالتالي منافياً لمقاصد الشريعة ومشوهاً لها.
فكيف تقطع يد السارق مع نسبة الفقر العالية وتفشي العطالة وهي شبهات تحول دون ذلك؟ وأحكام الزكاة التقليدية قاصرة فقد استحدثت أنواع جديدة من المال، وصار الأغنياء في كثير من الأحيان يضعون أموالهم في بلاد أجنبية.
العدالة الاجتماعية من مقاصد الزكاة. ودولة الرعاية الاجتماعية المستحدثة أكفأ وسيلة لتطوير أحكام الزكاة. وسعر الفائدة نسبة مضبوطة بمؤسسات ويدفعها المستثمر لمساهمين هم أفقر منه ولا تعتمد على مساومة فردية كما هو الحال في الربا.
واقتصاد عالم اليوم متداخل، وسعر الفائدة لا يتعلق بالإقرض وحده بل بالكتلة النقدية. والنقود نفسها لم تعد ذات قيمة ثابتة.
هذا معناه أن المطلوب في كل هذه الأحوال إصدار دليل يدرك مقاصد الواجب، ويحيط بالواقع الجديد، ويستفيد من التطور القانوني الوضعي ذي الأهداف المماثلة، ليصير أساساً مقاصدياً لتطبيق الشريعة. أما ما يحدث الآن مع هذا الشعار فإنه يهزم مقاصد الشريعة.
الحلول العلمانية كالقومية العربية سيطرت على المسرح السياسي في بعض بلداننا المهمة، وسجل التاريخ إخفاقاتها، هذا ضمن عوامل أخرى أفسح المجال لشعار الإسلام هو الحل. هذا الشعار أخفق تماماً في بعض البلدان كالسودان وواجه عقبات هائلة كما في مصر.
في بعض البلدان كتركيا، والمغرب، وتونس خضع لمراجعات حقق بموجبها بعض النجاح.
المطلوب الآن أن يأتمر كل الذين يؤمنون بدور الإسلام في الحياة العامة لدراسة الموضوع على ضوء مطالب الواجب، وحقائق الواقع، ومعطيات التجارب لتحديد دور الإسلام في الحياة العامة في المجتمع الحديث.
العامل الثالث: نظام الحكم:
العدل هو أهم مقاصد الشريعة الإسلامية. تجربة الخلفاء الراشدين كانت عادلة ولكنها خلت من مؤسسية الاستخلاف لذلك كثر فيها اغتيال الخلفاء، ومن ظروف الاغتيالات نشأت الفتنة الكبرى، بل بسبب غياب التقنين والمأسسة فإن تاريخ الخلافة في كل عهودها كان مخضباً بسفك الدماء، العصر الحديث ابتكر وسائل مؤسسة لتنظيم الاستخلاف والفصل بين السلطات لتحقيق العدالة، هذه الوسائل أولى بالاستنباط لتحقيق مقاصد الحكم الراشد. قال أبوبكر رضى الله عنه: وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ (بشرياً) وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ (جواز ولاية المفضول) فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي وَإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُونِي (المساءلة) الصِّدْقُ أَمَانَةٌ، وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ (الشفافية) والضَّعيف فيكم قَوِيٌّ عندي حتى أرجِّع عَلَيْهِ حقَّه إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالْقَوِيُّ فِيكُمْ ضعيف عندي حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ (سيادة حكم القانون). إن نظام الحكم الحديث هو وسيلة مؤسسة لتحقيق العدل، أما مقولة اتباع الإمام المعصوم فصاحبها غير موجود، وولاية الفقيه واردة في المسائل الشعائرية أما في المسائل السياسية والاقتصادية والدولية فالولاية للأمة كما صار يقول مصلحون في الفكر الشيعي.
العامل الرابع: المسألة الاقتصادية: إن إزالة الحاجة المعيشية من مقاصد الإسلام. لذلك فاستمرار الحرمان تكذيب للدين: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ). وقال إمام المتقين علي رضى الله عنه: ما جاع فقير إلا بما متع به غني.
مقاصد الشريعة في العدالة الاجتماعية تتطلب أن تكون الدولة ملتزمة بالرعاية الاجتماعية على نحو ما يشاهد اليوم في بعض دول أوربا الشمالية، إذا لم يحدث هذا فإن السلام الاجتماعي يضطرب.
النظم الديمقراطية الرأسمالية تعاني من سوء توزيع الثروة، قالت اكسفام في مؤتمر دافوس الأخير أن 1% من أثرياء العالم يملكون نصف ثروة العالم، هذا الخلل في توزيع الثروة هو الذي دفع حركات شبابية تقتحم السيتي لاحتلالها في لندن وتقتحم وول ستريت في واشنطن، هؤلاء جميعاً رفعوا شعار الديمقراطية الاجتماعية، هذا التجاوز بين ثراء مسرف لأقلية وفقر مدقع لأغلبية وباء سائد في بلداننا، ولا يمكن معه تحقيق السلام الاجتماعي. اقتصاد السوق الحر هو الأنسب للاستثمار والإنتاج، ولكن ينبغي أن يكون للرأسمالية وجه إنساني واجتماعي ينقذها من تجاور الاستهلاكية المترفة للقلة والحرمان المذل للكثرة.
وفيما يتعلق بالعلاقة بين البلدان الفقيرة والغنية فإن التجارب الحديثة قدمت أمثالاً جيدة: بعد الحرب الأطلسية الثانية أنقذت أمريكا أوربا الغربية اقتصادياً عن طريق مشروع مارشال حتى نهضت، وتعاملت ألمانيا الغربية الغنية مع ألمانيا الشرقية الفقيرة بصورة أنهضتها تنموياً، وكذلك فعل الاتحاد الأوربي بجنوب وشرق أوربا.
إن دولة الرعاية الاجتماعية داخل البلدان، والنجدة التنموية فيما بينها هي الوسائل الأفضل في النظام الجديد المنشود.
العامل الخامس: ينبغي العمل على إسكات كل النيران المشتعلة في البلدان العربية والمقاطعات الخليجية في ظرف عام، فإنها بطبيعة الظروف المتحكمة فيها لن تحقق نصراً نهائياً لأحد أطرافها بل تعمق التوتر، وتضر الأطراف المشتركة فيها. إن وجود إمكانية تداخلات إقليمية ودولية عبر الحدود القطرية تجعل الاقتتال غير قابل للحسم العسكري بل قابل لاستمرار بلا نهاية وأكثرها يستمد دعماً من التباين السني والشيعي.
النزاع السني الشيعي يتطلب معالجة إستراتيجية لما يحتوي من طاقة تدميرية هائلة.
الاختلاف بين البشر سنة اجتماعية. الاختلافات المذهبية بين المذاهب الثمانية المعتمدة لدى أهل السنة والمذاهب الشيعية معلومة. سمى الإمام أحمد بن حنبل هذه الخلافات المذهبية سعة للمسلمين، ولكن هنالك اختلافان هما مصدر التوتر الحاد: الأول: اختلاف حول أحداث التاريخ، وهي أحداث تتعلق بأمة خلت ولا سبيل لحسمها بالإقناع ولا بالقوة. والثاني: اختلاف حول ولاية الأمر.. هذان الخلافان لا سبيل لحسمهما، والحكمة تتطلب إرجاء أمرهما كما قال تعالى: (إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) .
ولكن عملياً الظروف المختلف عليها حول الخلافة والإمامة اختفت، فأهل السنة لن يتفقوا على خلافة واحدة تجمع بينهم، والإمام الشيعي سوف يظل غائباً.
وعملياً فإن الشعوب الإسلامية تتطلع لنظم حكم جديدة تقوم على المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون، نظم تطبق على دول وطنية.
نعم لشرعية الدولة الوطنية، ونعم لنظام حكم يقوم على المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون. وبدل خلافة واحدة لم تشهدها الأمة إلا في 10% من تاريخها، يمكن في الإطار العربي وفي الإطار الإسلامي الجامع أن تقوم بين الدول الوطنية علاقات على أساس التعاهد. لكن تجاوز الشرخ السني الشيعي الذي نكب الأمة منذ الفتنة الكبرى يتطلب الالتزام بالمبادئ الستة الآتية:
الاعتراف المتبادل أننا أهل قبلة واحدة، وعقيدة واحدة؛ تقوم على التوحيد، والنبوة، ومكارم الأخلاق، والمعاد، والأركان الخمسة، وما عدا ذلك اختلافات مذهبية ندركها ولا نرتب عليها خصومة أو تكفير.
أهل السنة يلتزمون بمكانة آل النبي محمد صلى الله عليه وسلم كما هو دأبهم في تحيات الصلاة ويمحون آثار لغة الروافض.
الشيعة يلتزمون بمكانة صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم أبوبكر، وعمر، وعثمان، والسيدة عائشة رضى الله عنهم ويمحون لغة النواصب.
يحترم الشيعة المجموعات السنية في أوساط أغلبيتهم بكامل حقوقهم الإيمانية والإنسانية والمواطنة.
يحترم أهل السنة المجموعات الشيعية في أوساط أغلبيتهم بكامل حقوقهم الإيمانية والإنسانية والمواطنة.
الاعتراف المتبادل بمذاهب أهل السنة ومذهبي الشيعة باعتبارها اجتهادات بشرية، بلا تعصب وبلا تكفير، وبلا قفل لباب الاجتهاد، فلا قدسية إلا للقطعيات وروداً ودلالة.
العامل السادس: العلاقة بالآخر: المدخل الصحيح للعلاقة بالآخر الديني، والثقافي، والقومي، والدولي هو تأصيل عقيدة الجهاد. الجهاد مبدأ عظيم، وهو بذل الجهد لاعلاء كلمة الله، ويبدأ بجهاد النفس، ويشمل كل الوسائل المدنية أو ما يسمى القوى الناعمة، ولا يصير قتالاً إلا في حالتي الدفاع عن النفس وعن حرية العقيدة، كما قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) وقوله: (أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍۚ). وحتى في ظروف القتال الدفاعي المشروع فإنه يلتزم بضوابط محددة تستثنى المدنيين، وتكفل حقوقاً للأسرى والجرحى.
علة القتال في الإسلام ليست اختلاف الملة ولا المذهب بل العدوان.
العلاقة بالآخر الملي: الإسلام أكثر الملل استعداداً للتعايش مع التعدد الديني من باب (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ). والأكثر استعداداً للتآخي مع أهل الكتاب قال الله تعالى: (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ). والإسلام يلزم المسلمين بمبدأ (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ). والتعامل على أساس: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِۖ) .
العلاقة بالآخر الثقافي والقومي: التنوع الثقافي والاثني وبالتالي القومي من سنن الحياة. قال تعالى:( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ).
العلاقة بالاخر الدولي: تاريخياً قامت على أساس دار سلام ودار حرب، ولكن أساس العلاقات الدولية الحديث هو التعاهد على السلام والتعاون الدولي، وهذا ينطلق من مشروعية إسلامية. قال تعالى: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ)7. ولكن ما لا يجوز أبداً إقامة العلاقة مع الآخر الدولي على أساس التبعية. ينبغي أن تراجع العلاقات مع الآخر الدولي بما يحقق أقصى درجات التعاون في مجال التنمية، وبسط العدل، ودعم حقوق الانسان، وفض النزاعات سلمياً، وتسكين التكنولوجيا الحديثة في بلداننا.
يكون التعامل مع العالم متعدد القطبية على أساس خدمة تلك الأجندة.
لقد صار للمسلمين وجود كبير في كثير من البلدان كمجموعات تعيش مع أغلبيات أخرى. ينبغي إبرام معاهدات معها على أساس الاحترام الثقافي المتبادل وحرية العقيدة وكفالة الحقوق المدنية للكافة.
الدولة الوطنية هي وحدة العلاقات الدولية، إنها تنظيم صالح للإدارة والتنمية وتقديم الخدمات الاجتماعية وحفظ الأمن. وجدير بنا اعتماد الوطنية أساساً لتحقيق ذلك مع تجنب العصبية فإن الحنين للوطن والحرص على عدم الطرد منه من وجوه الولاء الحميدة.
إن للانتماء القومي كذلك دوافعه الثقافية والاقتصادية والاجتماعية ما يوجب في إطار منطقتنا الاعتراف بالانتماء القومي العربي، على ألا يكون على حساب قوميات أخرى ذات انتماءات قومية.
الواقع المعاصر يوجب وجود أربع حلقات انتماء: الوطنية، والقومية، والإسلامية، والدولية. هذا مع تجنب العصبيات في كل حلقة، ما يسمح بحلقة عربية تتجاوز الجامعة العربية التي أثبتت التجربة فشلها، وحلقة إسلامية تتجاوز الصيغة الحالية لضعفها لإقامة تعاهد دول إسلامية.
لا تناقض بين الوطنية، والقومية، والإسلامية، والدولية بل تكامل توجبه هندسة التعامل في العصر الحديث، وتتوافر فيه فرص التوافق بين الواجب الذي تقتضيه مبادئ الإسلام والواقع المعاصر.
العامل السابع: فلسطين: خطة الدولتين قد تجاوزها الزمن، وأطاحت بها السياسات الإسرائيلية الحمقاء، لذلك علينا دعم الوجود الفلسطيني في أرض فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، والعمل على عودة اللاجئين لديارهم، على أن تكون دولة واحدة تتوافر فيها حقوق المواطنة الكاملة، دولة ذات قومية مركبة وحقوق مواطنة متساوية تحكم ديمقراطياً.
هذا النهج هو الثورة الناعمة البديلة للقفز الثوري نحو المستقبل، أو القفز الثوري نحو الماضي؛ إنه خَيْرُ الأمُورِ أوَاسِطُهَا، ولكن لنجاحه يتطلب ثلاثة أمور هي: إرادة قوية لتحقيقه، تجاوب ولاة الأمر، ومناخ دولي صحي.
وحتى إذا لم تتوافر هذه الأمور الثلاثة الآن فإننا نستطيع بلورة صحيفة نجاة الأمة، وبمبادرة من منتدى الوسطية تكوين هيئة حكماء تباشر الدعوة للفجر الجديد، وتسعى لجعل حالة الاحتضار الذي تعاني منه الأمة حالة مخاض لفجر جديد. (لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).