زملائي مؤسسة رئاسة حزب الأمة القومي،
وزملائي رؤساء أجهزة حزب الأمة القومي وأعضاؤها لا سيما الأمينة العامة وأعضاء الأمانة العامة.
وأخواني وأخواتي قيادات القوى السياسية والمدنية والثقافية والنقابية والإعلامية،
وممثلي ضحايا الطرد التعسفي من الخدمة المدنية والخدمات النظامية،
وضيوفنا الكرام أعضاء البعثات الدبلوماسية للسودان حكومة وشعباً،
السلام عليكم من بعيد الدار القريب منكم بروحه وعقله وقلبه، فالسودان وطن فينا وإن كنا جغرافياً لسنا فيه.
ومع ذلك فللفراق أيضاً إيجابيات، قال العقاد:
لئن أنا أحمدت اللقاء فإنني لأحمد حينا للفراق أياديا
البعد يظهر جوانب من المشهد خفية على الحاضر. وفي الظروف الحالية لا أزور عاصمة: أديس، القاهرة، لندن، باريس؛ إلا لقيت أرتالأً من المواطنين فارين بجلدهم يعدون المآسي الطاردة مقطوعة أنفاسهم. هؤلاء الآن نسبة مقدرة من سكان السودان، التعرف على أحوالهم واجب وطني.
بعد هذه المقدمة وتمنياتي لكم بقبول الصيام والقيام وصالح الدعاء، أرجو أن نبحر معاً عبر النقاط الآتية:
أولاً: في نهاية هذا الشهر يبلغ عمر الانقلاب تسعة وعشرين عاماً، اكتسب أثناءها مضرة للسودان غير مسبوقة، بل ليس في المعجم السياسي نقمة جماعة كبيرة من فئة قليلة بهذا القدر من الضرر والضرار، بيانه:
تشويه الشعار الإسلامي.
تفكيك الوطن.
تردي الاقتصاد ما يمكن قياسه على سعر الدولار الذي كان 12 جنيهاً في 1989م وصار 18 ألف في 2017م والآن 40 ألف.
فرار المواطنين بأعداد غير مسبوقة خارج الوطن.
تدمير مؤسسات الدولة الحديثة المدنية والنظامية.
اتباع محاور خارجية مذلة بمعاملات أبعد ما تكون عن المماثلة.
إدانة دولية بعدد 63 قرار مجلس أمن، أغلبها تحت الفصل السابع، أهمها القرار 1593 الذي جعل قيادة البلاد ملاحقة جنائياً بحيث تعتقل فوراً إذا زارت بلداً مستقل مؤسسة القضاء، كما كان في جنوب أفريقيا، وقرار محكمة الاستئناف العليا بالاعتقال، وتعرض الرئيس السابق زوما للمساءلة لعدم تنفيذ القرار، وكان أحد ستة أسباب أدت لاستقالته.
هذه المثالب السبعة غير مسبوقة في السودان ولا في غيره من الأوطان.
ثانياً: السودان على يد هذا النظام لم يعد شبيهاً بما كان بل إنه السودان النقيض، معالمه:
درجة عالية من التفرقة الإثنية بين مكونات السودان من أصول عربية وأصول أفريقانية.
ارتفاع التعصب القبلي الذي كاد الشعور القومي يحجبه إلى درجة عالية في الماضي.
صار السودان طارداً لأهله فنسبة الفارين من الوطن 25%؛ 95% منهم فروا أثناء العقود الثلاثة الماضية.
كان السلاح لا سيما الثقيل بأيدي مؤسسات الدولة إلا ما كان في أيدي حرس الإدارات الأهلية من سلاح خفيف. الآن تحول كثير من القبائل إلى مليشيات بعضها أهلي وبعضها تتبناه الحكومة. ملكية السلاح ووسائل التنقل العسكرية صارت واسعة الانتشار وما تم جمعه نسبة قليلة.
والسودان اليوم من كباتن الفساد، محسوب ضمن ست أفسد الدول، وهو فساد متجاوز للحدود إذ استطاع الفاسدون إخفاء مسروقاتهم النقدية والعينية في خمس دول.
ولأول مرة في تاريخه أجزاء من السودان تحت وصاية قوات غير سودانية مسلحة.
والسودان يتصدر قائمة التفريط على أراضيه الزراعية ببيعها للأجانب بشره غير مسبوق، والتفريط في أراضيه الحدودية المستباحة من دول جارة بينما الحكومة تغض الطرف في تبادلات مذلة.
هكذا وصف شاعرنا المبدع هذا المسخ بعباراته:
هل التي تعَمَّمَتْ أرجلنا
أم رؤوسنا انتعلتْ أحذيةً
القميصُ ما نلبسُ أم كفنْ؟
وطنْ!، وطَنْ!، كان لنا وطنْ
ثالثاً: ليس أمام الذين اتخذوا قراراً بالانقلاب في يونيو 1989م إلا الاعتراف والاعتذار على نحو ما فعل من استيقظت ضمائرهم أمثال: المحبوب عبد السلام، وخالد التجاني النور، ومبارك الكودة، وعبد الوهاب الأفندي والقائمة تطول؛ أما الذين رفضوا التجربة منذ البداية ونحن منهم فمن أجل نجاة السودان من ويلات السودان النقيض فجدير بنا تجنب القول بالانتقام والحرص على انتقال حقيقي باعتدال على سنة مانديلا.
السودانيون أولى من غيرهم بالعدول عن حافة الهاوية كما فعلوا في ديسمبر 1955م وفي أكتوبر 1964م.
إن ثقافة العدول عن حافة الهاوية من أجل الوطن ملكيتها الفكرية سودانية.
رابعاً: آن الأوان لأكشف عن حقائق متعلقة بنهج النظام الحاكم نحوي. في بداية التسعينيات نصحني أحد أصدقاء النظام الانقلابي قال لي: إنهم يرون أنهم جردوك من السلطة ولكن لم يجردوك من الشرعية. لذلك إما أن تقف معهم أو أن يتخلصوا منك. قلت له لن أضحي بهذه الشرعية، وسوف تجد من يحرسها حتى إذا قتلت. المبدعون أو الرساليون مناياهم تزيدهم تأثيراً فما قل من أعمارهم يكثر من تأثيرهم. ومهما كانت صحة ما قاله لي فإن تصرفات النظام الحاكم نحوي تدل على صدقه.
فالنظام قدم لنا لاستمالتنا عروضاً يسيل لها لعاب المستوزرين: حدث هذا في مناسبات أهمها في 1993م، وفي 1996م، وفي 2011م، ما عرضوه علينا للمشاركة يفوق أضعافاً مضاعفة ما ألحقوا به آخرين بركبهم.
هنالك أحاديث بخطط للتخلص مني غيلة. هذه سوف تكشفها الأيام، ولكن الخطة البديلة التي اتبعوها فعلاً هي اغتيالي قانونياً. أذكر منها الحيثيات الآتية:
في مايو 2014م عقدنا الهئية المركزية لحزب الأمة القومي. وفي اللقاء شكى بعض الأعضاء من سلوك قوات الدعم السريع. ذكرت هذه الشكوى في المؤتمر الصحافي الذي أعقب انعقاد الهيئة المركزية، وطالبت بالتحقيق في الأمر، وهو نفس ما فعلنا بعد زيارتنا لولايات دارفور في يونيو 2004م وقلنا ما لم يجر تحقيق ورفع المظالم فالأسرة الدولية سوف تتدخل وقد كان. ولكن مع وضوح ما قلنا فإن النظام فتح بلاغاً ضدي بموجب المادة 50 والمادة 63 من القانون الجنائي، وفحواهما تقويض النظام الدستوري، والدعوة لمعارضة السلطة العامة بالعنف أو القوة الجنائية ما أدى لاعتقالي بالرغم من عدم صحة ذلك الاعتقال، فالمادتان تصل عقوبتهما الإعدام، وتوجبان بنص قانون الإجراءات الجنائية في البلاد، أن أكون محبوساً حتى تجرى المحاكمة. ولكن لم يجدوا شاهداً على هذا الاتهام الباطل، وحتى والي شمال كردفان الذي طولب أن يشهد أكد صحة ما قلته.
كنا قد رفضنا الانضمام لميثاق الفجر الجديد المبرم في يناير 2013م، لرفض بعض ما جاء في الميثاق بموجب ملاحظات أعلناها في حينها، وأمكننا أن نتفق مع الجبهة الثورية السودانية على سودان العدالة والمساواة بلا حاجة لتقرير المصير، وعلى أن آليتنا لتحقيق ذلك خالية من العنف. هذا اختراق حقيقي لصالح الوطن. ولكن قيادة النظام لجأت لحجة غريبة وزائفة فحواها أن ما قررنا هو غطاء لكي نقوم باحتلال الفاشر. زعموا أن أجهزتهم هي التي مدتهم بهذه الفرية. هل حاسبوها عندما اتضح أنها مجرد فرية؟ لا. الحقيقة هي رغبة النظام في اغتيالنا قانونياً.
نعم أنا أتعامل مع قوى الجبهة الثورية السودانية، وهم جزء من الواقع السياسي السوداني الذي أفرزه النظام نفسه بسياساته القمعية وتحالفاته المحورية. قال رأس النظام: السلطة دي نحن شلنها بالقوة، والدايرها يحمل السلاح. وفعلاً اعترف وتفاوض بجد مع من حمل السلاح ومنحهم الإمتيازات، حتى جاء في النكتة السودانية أن طريق الغابة هو الذي يؤدي إلى القصر. (طريقان في الخرطوم)، ولكن تعاملنا معهم الذي بدأ في إعلان باريس تطور لنداء السودان. وفي نداء السودان حرصنا أن يكون النداء مدنياً سياسياً هادفاً لنظام جديد نحققه بوسائل خالية من العنف. نعم هم مسلحون، وهذا واقع صنعته المساجلة مع نظام تأسس بالعنف، ولكن قلنا لهم نحن نفهم أن تحفظوا سلاحكم إلى حين الوصول لاتفاق السلام العادل الشامل المنشود. ولكن أية أنشطة مسلحة هجومية تقومون بها تعتبر خارج نطاق نداء السودان. ومعلوم أن هذه القوى المسلحة وهي الحركة الشعبية – شمال، وحركة تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة حركات تعترف بها الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والترويكا، والاتحاد الأوربي وتتعامل معها وتعقد معها الاتفاقيات وتحثها على الحوار مع النظام. والنظام نفسه يعترف بها ويبرم معها الاتفاقيات. والنظام يعلم كم ساهمنا في دعم أولوية الوسائل الخالية من العنف، ويعلم دورنا الذي تشهد بها الآلية الأفريقية في إنجاح التوقيع على خريطة الطريق في أغسطس 2016م. كما يعلم الجميع أنني لكسب ثقة الزملاء في نداء السودان كنت منذ البداية ارأس الاجتماعات. وفي مارس 2017م قررت قيادة النداء هيكلة النداء واجمعوا على اختياري رئيساً.. مرة ثالثة انتهز النظام هذا الموقف للاغتيال الثالث القانوني لي بموجب المواد 21/ 25/ 26/ 50/ 51/ 53/ 63/ 66 من القانون الجنائي. ومرة رابعة صنفوا الحركات المعنية حركات إرهابية وأقدموا على الاغتيال القانوني الرابع بموجب المادتين 5 و6 من قانون مكافحة الإرهاب.(كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا).
هكذا حشر رأس النظام نفسه في ضغائن شخصية، مع أن سلوكي الحقيقي كان دائماً في صف الحلول السلمية وتجنب الانتقامية. فعندما قررت المحكمة الجنائية الدولية محاكمة البشير وقال بعض زملائه نعم سلموه للاهاي. قلنا لا هنالك وسائل مساءلة أخرى نفضلها حرصاً على الاستقرار في السودان.
وقد قابلتُ في نوفمبر 2011م في نيويورك المسئول الثاني في الأمم المتحدة، السيد هارفي لادسيوس، وبحثتُ معه الخيارات، فقال إذا اتفق السودانيون وهم ضحايا بطش النظام على مساءلة داخلية حرصاً على الاستقرار، فيمكن لمجلس الأمن أن يجيزها. والحقيقة أن اتهامات المحكمة الجنائية الدولية لا تتقادم، والاستنصار بحكومات هي نفسها مطلوبة للعدالة لا يجدي، لذلك أمام السيد المطلوب للعدالة خياران لتجنب الملاحقة المسيئة له وللبلاد: الأول أن يبرم السودانيون اتفاقاً حول هذا الموضوع يجيزه مجلس الأمن أو أن يفعل ما فعله الرئيس الكيني في موقف مماثل وهو الاستقالة ومواجهة المحكمة في لاهاي كان رئيس كينيا قد قال فعلتُ ذلك لأجنب بلادي العقوبات غير المباشرة التي تقع عليها عندما يكون رئيسها ملاحقاً جنائياً.
وفي يونيو 2016م عندما كان اعتقاله في جنوب أفريقيا قاب قوسين أو أدنى، قلنا لا، ينبغي أن تكون المساءلة بصورة لا تضر باستقرار السودان.
سوف نواجه مكايدات النظام بحملة قانونية، وسياسية، ودبلوماسية قوية، وقد حملنا الذين حضروا مناسبة اجتماع نداء السودان الأخير في باريس من ممثلي الترويكا، والاتحاد الأوربي، والفرنسيين رسائل لتمييز مواقفهم من اتهامات النظام الباطلة، وسوف نواصل الحملة في كل مجالاتها إن شاء الله. ولن تدفعنا مكايدات النظام التعامل معهم بالمثل: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ).
خامساً: من بين المستجدات الخطيرة على مستقبل بلادنا وأمتنا: برنارد لويس الذي هلك مؤخراً هو المؤسس الحقيقي للإسلاموفوبيا: كراهية الإسلام. قال إن المسلمين منذ محمد مسكونون بالسيطرة على العالم، ولكن لإخفاقاتهم في تحقيق ذلك ونجاحات الحضارة الغربية صاروا يكرهوننا كراهية عضوية عميقة لا تستجيب لأية حلول عقلانية.
الصهيونية كما صرح بن غريون، وأوضح ذلك آفي ريختر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي الأسبق، يرون ضرورة تقسيم العالم العربي لدويلات على أسس طائفية وعرقية لخارطة شرق أوسط جديد، فالسودان في هذه الخطة ينبغي أن يقسم لخمس دويلات: الجنوب، جنوب كردفان، دارفور، الشرق، شمال السودان.
في أمريكا التقى تيار مسيحي إنجيلي يؤمن بنبوءات في التوراة. هؤلاء يرون أن اجتماع اليهود في إسرائيل سوف يعجل بالعودة الثانية للسيد المسيح عليه السلام.
هذا الاعتقاد أدى لتكوين حركة قوية صهيونية إنجيلية ذات إمكانات واسعة، وتدعم أية تيارات في البلاد العربية تنادي بتقرير المصير. هذه معركة تجعل الذين ينفرون أية جماعات سودانية، والجماعات السودانية التي تطالب بتقرير المصير، حلفاء للحركة الصهيوانجيلية، وهي تتبناهم استجابة لخطة التقسيم المذكورة.
سادساً: في عدول أية تكوينات سودانية عن مطلب تقرير المصير مصلحة وطنية كبيرة. إعلان باريس ثم نداء السودان استراتيجية جمعت بين المركز والهامش، وبين أهل النهر وأهل الظهر، وبين العروبة والأفريقانية. هذا التجمع في اجتماع باريس الأخير (أواخر مايو 2018م) اتخذ شكلاً مؤسسياً، واعتمد دستوراً لضبط نشاطه، والتزام بالعمل من أجل سودان جديد بوسائل خالية من العنف. صحيح بعض فصائل هذا التجمع مسلحة، وهذا واقعها، ولكنها مع الفصائل المدنية في نداء السودان تلتزم بالعمل بوسائل خالية من العنف، وأية مشاهد عنف قد تحدث من حق نداء السودان النأي بنفسه عنها.
هذه حالة انتقالية أوجبها التعامل مع واقع إلى حين إبرام اتفاقية السلام العادل الشامل المنشود.
سابعاً: نداء السودان ملتزم باتخاذ الخطوات الآتية:
تفعيل خريطة الطريق التي وقعنا عليها، وبموجب ذلك حددنا المطالب السلامية والديمقراطية الواجب تحقيقها كاستحقاقات للحوار الوطني الجامع. بموجب هذه المطالب خاطبنا رئيس آلية الوساطة العليا الأفريقية. الاجتماع فصل كل تلك الاستحقاقات ونداء السودان على استعداد للتجاوب الإيجابي مع البرنامج الذي سوف تقترحه الآلية الأفريقية العليا.
سوف ننشر كتاب (دليل بناء الوطن). هذا الكتاب يفصل المطالب الوطنية وخطاها نحو إقامة نظام السلام والديمقراطية والعدالة الجديد. الخطوة الأولى نحو هذا النظام هي إقامة حكم قومي انتقالي وفاقي يحقق: إزالة آثار التمكين، إدارة عدالة انتقالية للحقيقة والانصاف، عقد مؤتمر قومي دستوري لكتابة دستور البلاد الدائم، وإجراء انتخابات عامة حرة ليختار الشعب قيادته بحرية. كتاب دليل بناء الوطن سوف يشمل معالم النظام الجديد فيما يتعلق باتفاقية السلام. ومعالم الدستور الجديد. وتفاصيل المرحلة الانتقالية. وسوف يلحق بالدليل برامج السياسات البديلة في كافة المجالات: إصلاح الخدمة المدنية، إصلاح المؤسسات النظامية، وإصلاحات التعليم، والصحة، أي كافة البرامج البديلة.. هذا الكتاب بملحقاته سوف يكون خريطة النظام الجديد، وسوف يعرض على نطاق واسع لكل القوى السياسية التي أدركت إخفاق النظام الحالي وتتطلع لنظام جديد.
السودان هو صاحب الملكية الفكرية للانتفاضة السلمية كما حدث في عام 1964م وعام 1985م. ولكن الظروف الآن تغيرت، فالسلاح لم يعد مقصوراً على المؤسسات النظامية، ونفقد القيادة الحكيمة كما كان موقف المرحوم الفريق إبراهيم عبود، كما لا توجد المؤسسة العسكرية المبرأة من اختراق حزبي كما كان الموقف من نظام 25 مايو. النظام الحالي بإخفاقاته القياسية في كل المجالات هو أكبر محرض للتغيير المنشود. وعلينا ان نبدع أسلوباً جديداً يلائم المرحلة الحالية، خلاصته: تقديم مذكرات توقع عليها الملايين، وتحديد يوم لاعتصامات تبلغ مواقعها داخل السودان وخارجه مئات المواقع. المذكرات ولافتات الاعتصام يكتب عليها مطلب الشعب: لقد فشلتم ودمرتم الوطن. سلموا السلطة للشعب وسوف تعاملون بالعدل لا بالانتقام.
على الصعيد الدبلوماسي سوف نخاطب مجلس الأمن الدولي، ومجلس السلم والأمن الأفريقي، والجامعة العربية، والترويكا، والاتحاد الاوربي، وروسيا، والصين بمطالب واضحة فحواها: أن الشعب السوداني يتطلع للخلاص من الاستبداد والفساد بوسائل خالية من العنف، ويتطلع لمواقف دولية تحمي المدنيين المعبرين عن مطالبهم المشروعة لسلام عادل شامل وحوكمة ديمقراطية وعدالة اجتماعية بوسائل سلمية.
ثامناً: بعض المواطنين رأوا أن خلاص الوطن يمكن أن يكون عبر انتخابات 2020م وبعضهم ناشدنا الإقبال على ذلك. أقول: السودان بحاجة إلى إسعاف الآن قبل 2020م. وإذا توافرت استحقاقات انتخابات عامة حرة هي: كفالة الحريات العامة، وقانون انتخابات عادل، ومفوضية انتخابات محايدة، وإدارة قومية لأجهزة الإعلام المملوكة للدولة، ومنع استغلال الحكومة لمالية أجهزة الدولة، فإن المشاركة في الانتخابات واجب وطني، وإذا رآها النظام وسيلة أفضل للانتقال نحو المستقبل فما عليه إلا أن يعلن ذلك عبر آلية حوار خريطة الطريق وسيجد تجاوباً واسعاً.
ولا نصدق الحملة على الفساد إلا إذا وقع النظام على برنامج القضاء على الفساد الدولي، وكون النظام مفوضية قومية للتصدي للفساد، وصدر قانون من أين لك هذا؟ الفساد اليوم مشكلة قومية ودولية تتطلب خطوات محددة وحازمة.
تاسعاً: في كتابي الصادر قبل ثلاثين سنة بعنوان (تحديات التسعينات) قلت إن هناك مشاكل فيما سمى بالعالم الثالث نابعة من مظالم داخلية وأخرى وافدة من الأسرة الدولية. وقلت ما لم تواجه تلك المشاكل فسوف تنشأ أسلحة الضرار الشامل ومن بينها التطرف والإرهاب والهجرات غير القانونية.
وها هو العالم يواجه هذه المخاطر ولكن بوسائل أمنية تتصدى للعرض لا لأسباب المرض. لذلك مهما كانت كفاءة الوسائل الأمنية، فإن التطرف والإرهاب والهجرات غير القانوينة في زيادة.
وهنالك مسألة اخرى. قال السيد هنري كسنجر بعد حرب 1973م: يجب العمل بقوة على عدم تكرار قيام الدول العربية بشن هجوم مرة أخرى على دولة إسرائيل وذلك من خلال انشغال العالم العربي بحروبه المحلية بهدف نهائي هو تقسيم العالم العربي رأسياً وأفقياً وإعادة خارطة دوله.
كان السودان في المجالين العربي والأفريقي رسول سلام. هكذا كان في النزاع بين مصر والمملكة العربية السعودية على عهد المرحومين الملك فيصل والرئيس جمال، وهكذا كان في الصدام الأردني الفلسطيني، وهكذا كان في القتال الإيراني العراقي، وهكذا ينبغي أن يكون السودان في النزاع في اليمن وفي ليبيا.
موقف الانحياز المحوري الحالي ليس من مصلحة السودان، بل ليس من مصلحة أطراف الاقتتال لأنه اقتتال صفري النتيجة، يضر أطرافه المتنازعة. ينبغي أن يتبنى السودان موقفاً واضحاً لوقف إطلاق النار في هذه الحروب، وأن يجمع معه حكماء لتقديم حلول عادلة. هذا ما سنفعله نحن بمبادرة علماء ومفكري شعبية تطالب بوقف إطلاق النار وتقدم حلولاً توفيقية.
عاشراً: نظم الحكم في عالمنا اليوم نظم غالباً مغيبة للمشاركة والمساءلة ولحقوق الإنسان، ما أدى لهشاشة الدولة الوطنية ومقولة القائلين إن هذه المنطقة غير قابلة لأي تغيير إيجابي.
تتوافر في السودان عوامل تمكنه من كسر هذا الطوق بإقامة نظام مؤقلم ثقاقياً واجتماعياً يحقق حوكمة المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون.
هذا في الصعيد الداخلي. أما في الصعيد الإقليمي فهناك عوامل جيوسياسية تتطلب التخلص من الوقوف عند الوطنية القطرية والتطلع لكنفدرالية عربية أفريقية تضم سبع دول شمال وجنوب الصحراء يتبناها السودان باعتبارها جميعاً من جيرانه. مصر وإثيوبيا وليبيا وتشاد ودولة الجنوب وأرتريا.
مع كل مآسينا ليس غريباً أن نحلم بسودان القدوة في كسر طوق النظم الاستبدادية، والقدوة في التطلع لما بعد الوطنية القطرية في محيطنا الإقليمي.
هذا التجديد يؤهل بلادنا أن تتبنى بكفاءة الإصلاح المنشود في نظام الأمم المتحدة الذي أظهرت التجربة منذ انشائه عيوباً مطلوب إصلاحها لتحقيق العدالة والأمن والسلم الدوليين.
ولا يفوتني أن أدين بأقوى العبارات تحدي بعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية للقرارات الدولية، وتخليهم عن شروط السلام بالاعتراف بالقدس موحدة عاصمة لإسرائيل. وندعم بأقوى صورة ممكنة موقف الشعب الفلسطيني البطولي ضد هذا الظلم الفادح.
رحم الله شهداء مواكب العودة، وسيجد الشعب الفلسطيني الشعوب العربية والإسلامبية بل العالمية مصطفة معه مع الحق وضد الباطل
ونحن مع أن تكون منطقتنا بل العالم خالياً من السلاح النووي. اتفاقية 5+1 الدولية خطوة في هذا الاتجاه، وينبغي أن يشمل المنع كل دول المنطقة بما فيها إسرائيل. ففي أية منطقة مسكونة بالتوتر لا يمنع انتشار السلاح النووي إلا خلو كل الدول منه.
ختاماً: أهنئ الأمانة العامة على الدعوة لهذا الإفطار الجامع، وأحثها الإسراع بالخطى لعقد المؤتمرات القاعدية تمهيداً للمؤتمر العام الثامن الذي سوف نكون اللجنة العليا للدعوة إليه سرعانما اكتملت المؤتمرات القاعدية. اللجنة العليا سوف تشرف على ترتيبات المؤتمر العام.
إنما يطلع الفجر بعد أحلك ساعات الليل سواداً، لذلك قيل الأزمة مفتاح الفرج وقال ابن زريق: اضيق الأمر إن قدرت أوسعه. والوعد الحق: (حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ).
والسلام عليكم.