منذ الأول من نوفمبر الجاري أصدر نظام الفساد والاستبداد جملة من القرارات الاقتصادية الخطيرة والقاتلة، جاءت ملتبسة وضبابية تفتقر لأدنى درجة من الشفافية. القرار الأول من بنك السودان المركزي استجابة لمطالب البنك الدولي بتحرير سعر صرف العملة في آخر تقرير له بشأن السودان في منتصف سبتمبر الماضي، ولكن القرار اختبأ وراء إجراءات مسماها: (تحفيز تحويلات السودانيين العاملين بالخارج) و(ضوابط استخدامات حصائل الصادرات)، حيث تقرر في أول يوم إنفاذ للقرار أن يكون حافز التحويلات، أي زيادة سعر الصرف مساوياً لـ131%، مع رفع الدعم عن استيراد الأدوية البشرية والبيطرية، وتذاكر شركات الطيران الأجنبية. هذه التوجيهات وزعت بليل وهي تحمل سياسات تعتبر الأخطر في أية سياسة اقتصادية وكان ينبغي أن تعامل بشفافية كاملة وتطرح في مؤتمر صحفي يسميها باسمها بدلا عن محاولة التعمية، ويتم شرح مسوغاتها ومستتبعاتها وكيفية معالجة سلبياتها على الشرائح الضعيفة وعلى مجمل الإنتاج والصناعة الوطنية.
وأمس أصدر وزير المالية قرارا بزيادة أسعار الوقود، وأيضا في شكل ملتبس حيث أعلن عن الزيادة في سعر البنزين والجازولين باللتر وحسب السعر بالجالون، مما أخفي أن الزيادة في سعريهما بلغت حوالي 31% (كان سعر الجالون 21.5 فصار 28 جنيهاً للبنزين، و14.5 فصار 19 جنيهاً للجازولين). وعقد الوزير مع آخرين مؤتمراً صحفياً أعلنوا فيه حزمة السياسات الجديدة وضمنها رفع المرتبات والبدلات بنسبة 20%، فكانوا أشبه بدمى في مسرح العبث، وهم يبشرون بانخفاض التضخم في حين أن سياساتهم الرعناء أعطت التضخم وقودا وقداحة، معتبرين أن السياسات التي سوف تؤدي إلى جنون الأسعار يمكن تلافيها بذلك، كمن يريدون قبض فيل بشرك فأر!
ويمضي التضييق لينال كل شيء فسعر الكهرباء زاد بواقع 150%، وزادت أسعار الغاز والخبز، والقائمة سوف تشمل كل السلع والخدمات. ما يعني خطة محكمة لخنق المواطن الذي ما كان وضعه يحتمل المزيد.
إن حزمة السياسات الرعناء الأخيرة هي بمثابة إعلان حرب على الشعب السوداني، وقد رافقها بالفعل رفع استعداد الأجهزة الشرطية إلى 100%، فالسودانيون في خطة نظام الجوع والمرض والدماء إما أن يموتوا بالمسغبة والمرض، أو يموتوا تحت رصاص بنادقهم على نحو ما حدث في هبة سبتمبر المجيدة عام 2013م إذ أراقوا دماء نحو مائتين من الشهداء الرافضين الذل في يومين، وقال رأس دولتهم إن فقهه يجيز مقتل ثلث الأمة ليبقى الثلثان!
كل هذا وتستمر مضارباتهم بمقدرات الشعب، وتفوح فضائح مسؤوليهم ومنسوبيهم الخائضين في الفساد والسمسرة حتى النخاع. فهم يضيقون على الشعب ليصرفوا على ترف قططهم السمان، وعلى آلياتهم الأمنية التي لا تخلو من سفه سار به الركبان وظهر في تحركات قائد قوات القتل السريع الأخيرة بتوزيع الهبات على الإدارات الأهلية وغيرها.
ان موقفنا من الإجراءات الاقتصادية الأخيرة يتمثل في الآتي:
- سبق وحذرنا في حزب الأمة القومي من مغبة سياسات النظام الاقتصادية المجحفة، وكشفنا عبر تقارير وبيانات ومؤتمرات صحفية فشلها وتخبطها وأكدنا أن الحل في مؤتمر اقتصادي قومي بحق، يرسم السياسات البديلة بعيدا عن مؤتمرات النظام التي تحشد الموالين ولا يسمع حتى لرؤاهم فتترك ميتة في أضابيرها.
- الحقيقة الراسخة هي أن الأزمة السودانية شاملة ومتداخلة فهي أزمة نظام حكم فاسد وفاشل ودموي يقتات على الحروب والتفرقة والسمسرة، استخدم كافة القوانين والإجراءات للتمكين والنهب وبيع الوطن تنازلا عن أراضيه وبيعاً لها، كل ذلك للاستمرار في السلطة بأي ثمن. ولا يمكن حدوث أي اختراق في الملف الاقتصادي أو غيره إلا ضمن حاضن يتمثل في حكم قومي ديمقراطي يعقد المؤتمرات الضرورية للخلاص الوطني وينفذ سياساتها، أما النظام الحالي فهو بهياكله وشخوصه وسياساته سر الأزمة وسببها ولا يمكنه تقديم الحلول.
- إن المخرج الوحيد لأزمات وطن يتآكل وشعب يحاصره نظام مجرم هو تحول لنظام جديد من أهم آلياته تصعيد العمل المقاوم الرافض لسياسات النظام، واتساع دائرة الإضرابات والاعتصامات ليس احتجاجا عليها فحسب وإنما حفاظا على حق الحياة في مواجهة نظام جبل على هضم حقوق السودانيين والتنكيل بهم. الحل الآخر كان أن يستجيب النظام لخطة التحول السلمي التي أطاح بها في اختتام حواره المونولوجي الأخير..
إننا سوف نقاوم بكل جهاد مدني ممكن هذه السياسات الجائرة، ونراها دليلاً قاطعاً على أن هذا النظام السفيه الفاسد الدموي يجب أن يذهب فوراً.
لا لإعلان الحرب على الشعب السوداني،،
فلتتحد جهودنا لاسقاط من اسقطوا المواطن من حساباتهم،،
4 نوفمبر 2016
دار الأمة